بواعث الحياء من الله (2)
2) التعظيم : ومما يبعث على الحياء من الله: تعظيم الله وإجلاله، فكلما عظم الله في قلب العبد عظم حياؤه، أن يدرك العبد عظمة الله، وإحاطته، واطلاعه على عباده، وقربه منهم، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور.
الحياء من الله يتولد من علم العبد بنظر الحق إليه، فيدفعه ذلك إلى مجاهدة النفس، وتحمل أعباء الطاعة واستقباح الجناية، والعبد إذا علم أن الله ناظر إليه أورثه هذا حياء منه تعالى.
كيف لا يستحي العبد من ربه وهو يعلم أنه يسمع ويرى؟.
ألا تعلم يا عبد الله وأنت تقدم على معصية من المعاصي أن الله يراك؟ قال تعالى: ﴿ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [ البقرة:265] وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ [العلق: 14].
ألا تعلم يا عبد الله وأنت تخطط للوقوع في معصية من المعاصي أن الله يعلم سرك وعلانيتك؟ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق:16].
ألا تعلم يا عبد الله وأنت تتكلم بما لا يرضي الله، أن الله يسمعك؟ قال تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [ الزخرف:80 ] وقال تعالى: ﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [ الملك: 13].
ألا تعلم يا عبد الله وأنت تنظر ببصرك إلى ما حرم الله النظر إليه، أن الله مطلع عليك؟ قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [ غافر:19 ] قال رجل للجنيد: كيف أستعين على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه.
ألا تعلم يا عبد الله وأنت تلهث وراء الشهوات والمحرمات أن الله معك؟ مطلع عليك؟ ينظر إليك؟ قال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7]. وقال تعالى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً ﴾ [الأحزاب: 52 ].
فأين الحياء من الله؛ الحاضر الذي لا يغيب، الحي الذي لا يموت، الشهيد الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، السميع الذي يسمع جميع الأصوات على اختلاف اللغات والحاجات، البصير الذي يبصر النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.
يقول بَعْض السَّلَف: خَف الله عَلَى قَدْر قُدْرَته عَلَيْك. وَاسْتَحْيِ مِنْهُ عَلَى قَدْر قُرْبه مِنْك.
ويقول ابن القيم "الحياء من الله نور يقع في القلب يريه ذلك النور أنه واقف بين يدي ربه عز وجل فيستحي منه في خلواته وجلواته".
إِذَا لَمْ تَصُنْ عِرْضًا وَلَمْ تَخْشَ خَالِقًا *** وَتَسْتَحْيِ مَخْلُوقًا فَمَا شِئْتَ فَافْعَلِ
فإلى من يعصي الله عز وجل:
إذا كنت تعتقد أن الله لا يراك؛ فما أعظم كفرك بالله.
وإذا كنت تعتقد أن الله يراك وأنت مصر على معصيته؛ فما أعظم جرأتك على الله، وما أقل حياءك من الله.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني