تبصرة: في أن الذكر هو مسلك المفردين السابقين!
الذكر هو مفتاح البصيرة! هل تريد أن تكون من المبصرين؟ هل تشتاق إلى مشاهدة الأنوار الربانية؟ وهي تتدفق من بصائر القرآن، لتشمل الكون كله! نعم؛ إذن اذكر الله كثيراً! ولاحظ في السبق إلى ذلك لمن غفل عنه! اقرأ هذا الحديث النبوي الشريف وتدبر! عسى أن تكتشف سر السير إلى الله.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق المفردون! قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات.
وكيف لمن ذكره الله في ملئه الأعلى ألا يكون من السابقين؟ وإنما هو شرط واحد، وعهد واحد! ذلك قول الله تعالى في محكم القرآن العظيم
{فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}
(البقرة: 152)
. وكانت مهمة موسى وأخيه هارون من أثقل العزائم في تاريخ الرسالات قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إنها دعوة فرعون! ذلك الطاغية الذي قال في الناس: أنا ربكم الأعلى! وإنما كان زاد موسى وأخيه في طريقهما إليه: ذكر الله! ومع ذكر الله يتضاءل الجبل حتى يكون مثل حصاة!
قال عز وجل:
{اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري. اذهبا إلى فرعون إنه طغى. فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى. قال ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى. قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى}
(طه: 46:42).
إن المعية الربانية كانت حاصلة مع الاستمرار في الذكر، وعدم الفتور منه:
{ولا تنيا في ذكري}!
والمعية كفاية الله العبد في الدنيا والآخرة! وإنما هي حال المقربين السابقين، من الملائكة والأنبياء والصديقين ألم يقل عز وجل في حق الملائكة العندية:
{يسبحون الليل والنهار لا يفترون}
(الأنبياء: 20)
. لا يفترون!
وهي معية تحبيب وتقريب، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي:
يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة.
فليس عبثاً إذن؛ أن يكون الذكر أفصل ـ في بعض مراتبه ـ من إنفاق الذهب والفضة، بل من الجهاد في سبيل الله! وذلك نص الحديث العجيب الذي رواه الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه، قال:
(قال النبي صلى الله عليه وسلم "ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا بلى، قال: ذكر الله تعالى!" فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه ما شيء أنجى من عذاب الله من ذِكر الله!)
وهذه مرتبة خاصة من الذكر سيأتي بنيانها بحولالله.
تلك هي القصة إذن! وتلك هي الطريق؛ فأين الذاكرون؟ أين حصتك من الذكر صباحاً؟ وأين هي حصتك مساءً؟
ألم يقل الله تعالى للمؤمنين:
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً. وسبحوه بكرة وأصيلاً}.
(الأحزاب:42:41)
وقال سبحانه:
{إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. والذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار}.
(آل عمران:190ـ191).
وما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بالتزام الذكر ومداومته عسى أن يكون المؤمن من المتشبثين! فعن عبدالله بن بسر رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي؛ فأخبرني بشيء أتشبث به!
قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله.
هكذا (رطباً)، كأنما هو بقلة، أو زهرة، أو ثمرة، تستمد الماء من نبع دائم يفيض بالحياة! والذكر حياة الروح. وكأنما اللسان جذره الممتد إلى الغدير. أين أنت يا أخي من ذلك كله؟ كلمة واحدة نقولها لك، فأنظر ماذا ترى! كلمة واحدة ولن نزيد: (سبق المفردون!).. وإنما الحكم بين المتنافسين هو الطريق!