حكم الاستغفار
الاستغفار : عبادة من العبادات الجليلة والقُرَب العظيمة، سواء استغفر المرء لنفسه أو استغفر لغيره.
والأصل: أنه مندوب إليه، لقول الله سبحانه وتعالى: ( وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [المزمل: 20].
والأمر هنا يُحمل على الندب، لأنه قد يكون من غير معصية، فيستغفر المرء لنفسه ولوالديه ولذريته ولإخوانه الذين سبقوه بالإيمان، وللمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
لكنَّ الاستغفار قد يخرج عند الندب إلى الوجوب، كالاستغفار من المعصية بعد الوقوع فيها، وكالاستغفار لمن اغتابه على الصحيح ( انظر مدارج السالكين 1/291 ).
وقد يخرج إلى الكراهة، وذكر بعض أهل العلم لذلك مثالاً، كالاستغفار للميت خلف الجنازة، لأنه توظيف لهذه العبادة في غير مكانها المشروع، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستغفر خلف الجنازة، ولا عن أحدٍ من أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وإنما الاستغفار للميت يكون أثناء الصلاة وبعد الدفن كما سيمرُّ معنا.
وقد يخرج إلى الحرمة، كالاستغفار للكفار، ولو كانوا أولي قربى، للنهي الصريح الوارد في كتاب الله جلَّ وعلا، قال تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) [التوبة: 113، 114].
وقال في حقِّ المنافقين : ( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ اسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ) [المنافقون: 6].
فالاستغفار لا ينفعهم شيئًا، وذلك لفداحة ما هم عليه من الاعتقاد الفاسد المبطن، ولإيغالهم في الكفر وانهماكهم في الفسق والقبائح، فاستحقوا هذا الجزاء الخطير، قـال تعالـى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) [النساء: 145].