سابعاً : ثمرات الإخلاص وآثاره السلوكية
والله عز وجل قد أخبرنا عن المجاهدين الصادقين قال:
} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ...[120] {
[سورة التوبة] .
فأعمال المجاهدين لا يكتب منها ما زاولوه عند مواجهة العدو فقط، وإنما يكتب لهم كل عمل عملوه بمجرد الخروج من بيوتهم بل يكتب للمجاهد إعداده لطعامه وشرابه، ويكتب له نومه، ويكتب له مشيه، ويكتب له كل شيء زاولهُ وعمله، ولو لم يلق عدواً، ولو لم يشهر سلاحاً في وجه عدو، كل ذلك يكتب له عند الله عز وجل، جوعهم يكتب لهم، وعطشهم يكتب لهم، وجراحهم تكتب لهم، ونفقاتهم في الطريق وفي غير الطريق تكتب لهم، كل ذلك يسجل في رصيد حسناتهم، وهكذا من خرج في طاعة لله عز وجل، ومن خرج حاجاً أو معتمراً، فكل نفقة أنفقها منذ أن خرج، وكل خطوة خطاها تكتب له في ميزان أعماله، وهكذا من سار في الدعوة إلى الله عز وجل ليقيم درساً، توجه ليعلم الناس العلم الشرعي الصحيح المبنيَ على الكتاب والسنة بعيداً عن البدع والأهواء، توجه ليدعو إلى التوحيد واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، إذا توجه إلى مسجده، أو إلى مدرسته، أو إلي أي مكان للدعوة إلى الله عز وجل؛ فإنه يؤجر على ذلك، ويكتب له ممشاه، تكتب له خطواته، ونفقاته التي أنفقها.
ويبين ذلك – وهو أمرٌ إذا استشعره العبد؛ هان عليه الكثير من الأتعاب، وهانّ عليه كثير من النفقات التي ينفقها – قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة:
[مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]
رواه البخاري .
هذا الفرس إذا ارتوى، وإذا شبع، وإذا أخرج روثاً، وإذا بال، بل حتى الخطوات التي يخطوها الفرس وهو يجول؛ تكتب لصاحبه وهو في بلده؛ لأنه قصد في هذا الفرس ليس المباهاة، وليس العبث، وإنما قصد به الجهاد في سبيل الله عز وجل، ولهذا قال داود الطائي رحمه الله:' رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن القصد، وكفاك به خيراً وإن لم تصنعه' .