سوء عاقبة من أضاع الصلاة


حسان بن سالم عيد



مِنَ القُرآنِ الكرِيم:
1) ]فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا[ ([1]).

خَلْفٌ : ذرية وأتباع فاسدين.
 غَيًّا  : خسراناً.
 

المعنى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ) فأتى من بعد هؤلاء المنعم عليهم (خَلْفٌ) ) أتباع سوء (أَضَاعُوا الصَّلاةَ) تركوا الصلاة كلها، أو فوّتوا وقتها، أو تركوا أركانها وواجباتها، (وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) واتبعوا ما يوافق شهواتهم ويلائمها، (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) شراً وضلالاً وخيبة في جهنم.

*  *  *

2) ]كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ، إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ، فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ، عَنِ الْمُجْرِمِينَ، مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ. فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ[ ([2]).

رَهِينَةٌ  : محبوسة مرهونة بعملها.
 مَا سَلَكَكُمْ : أَيّ شيء أدخلكم.
 
نَخُوضُ : نشرع في الباطل لا نبالي به.
الدِّينِ  : البعث والحساب والجزاء.
 

المعنى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) محبوسة بعملها، مرهونة عند الله بكسبها، ولا تُفَك حتى تؤدي ما عليها من الحقوق والعقوبات. (إِلاَّ) المسلمين المخلصين (أَصْحَابَ الْيَمِينِ) الذين فكّوا رقابهم بالطاعة، هم (فِي جَنَّاتٍ) لا يُدْرَك وصفها، (يَتَسَاءَ لُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ) يسأل بعضهم بعضاً عن الكافرين الذين أجرموا في حق أنفسهم: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) ما الذي أدخلكم جهنم، وجعلكم تذوقون سعيرها؟. (قَالُوا) قال المجرمون: (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) في الدنيا، (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) ولم نكن نتصدق ونحسن للفقراء والمساكين، (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) وكنا نتحدث بالباطل مع أهل الغواية والضلالة، (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) الحساب والجزاء، (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) جاءنا الموت، ونحن في تلك الضلالات والمنكرات. (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) جميعاً من الملائكة والنبيين وغيرهم؛ لأن الشفاعة إنما تكون لمن ارتضاه الله، وأذن لشفيعه.

*  *  *

3) ]كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ، وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ، فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى، وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى، أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى[ ([3]).

 بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ  : وصلت الروح أعلى الصدر.
 مَنْ رَاقٍ  : من يداويه وينجيه من الموت.
 
الْفِرَاقُ  : فراق الدنيا.
 وَالْتَفَّتِ  : الْتَوَتْ أَوْ الْتَصَقَتْ.
 
الْمَسَاقُ  : سوق العباد للجزاء.
 وَتَوَلَّى : أعرض.
 
يَتَمَطَّى  : يتبختر في مشيته مختالاً.
  أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى  : قاربك من يهلكك.
 

المعنى: (كَلاَّ) حقاً (إِذَا بَلَغَتِ) وصلت الروح إِلى (التَّرَاقِيَ) أعالي الصدر، (وَقِيلَ) وقال بعض الحاضرين لبعض: (مَنْ رَاقٍ) هل من راق يرقيه ويشفيه مما هو فيه؟. (وَظَنَّ أَنَّهُ) وأيقن المحتضر أن الذي نزل به هو (الْفِرَاقُ) فراق الدنيا؛ لمعاينته ملائكة الموت. (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) واتصلت شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة. (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (الْمَسَاقُ) مساق العباد يوم القيامة: إما إِلى الجنة وإما إِلى النار. (فَلا صَدَّقَ) فلا آمن الكافر بالرسول والقرآن، (وَلا صَلَّى) ولا أدى لله تعالى فرائض الصلاة، (وَلَكِنْ كَذَّبَ) بالقرآن، (وَتَوَلَّى) وأعرض عن الإيمان، (ثُمَّ ذَهَبَ) مضى (إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) يتبختر مختالاً في مشيته. (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) هلاك لك فهلاك، (ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) ثم هلاك لك فهلاك.

*  *  *

مِنْ سُنَّة الرسول  :
1) حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ
t قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ   الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلا صَلاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ، وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ ([4]).

المعنى : (حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ t) وهو : حميل بن بصرة بن وقاص الغفاري ، توفي في مرو. (قَالَ) أبو بصرة الغفاري: (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ  ) صلاة (الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ) وَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهِمْ وهو موضع معروف (فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ) أي : صَلاةَ الْعَصْرِ (عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ) فيه فضيلة صلاة العصر وشدة الحث عليها. (وَلا صَلاةَ بَعْدَهَا) أَيْ: بعد صلاة العصر (حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ، وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ) كناية عن غروب الشمس لأن بغروبها يظهر الشاهد . والأَعْرَابُ يُسَمُّونَ الْكَوْكَبَ شَاهِدَ اللَّيْلِ.

*  *  *

2) حَدِيثُ سَمُرَة بْنُ جُنْدُبٍ t قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ   مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟ قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَاهُنَا فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى، قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاءِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا، وَيَسْعَى حَوْلَهَا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ مَا هَؤُلاءِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلا أَحْسَنَ، قَالَ: قَالا لِي: ارْقَ فِيهَا، قَالَ: فَارْتَقَيْنَا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا، فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالَ: قَالا لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَ هُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، قَالَ: قَالا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ، قَالَ: قَالا لِي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ، قَالا: أَمَّا الآنَ فَلا وَأَنْتَ دَاخِلَهُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ قَالَ: قَالا لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ: أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ، وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ  ، وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلادُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه   : وَأَوْلادُ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطْرٌ قَبِيحًا فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ([5]).

غَدَاةٍ  : الصبح.
 فَيَثْلَغُ : يكسر ويشج.
 
فَيَتَهَدْهَدُ  : ينحط ويتدحرج.
 بِكَلُّوبٍ  : حديدة معوجة الرأس.
 
فَيُشَرْشِرُ  : يشق ويقطع.
 شِدْقَهُ : جانب فمه.
 
التَّنُّورِ  : الفرن الذي يخبز فيه.
 لَغَطٌ : أصوات لا تفهم.
 
ضَوْضَوْا : ارتفع صوتهم ولغطهم.
 فَيَفْغَرُ : فيفتح.
 
يَحُشُّهَا : يوقدها ويزيدها اشتعالاً.
 ارْقَ  : اصعد وارتفع.
 
شَطْرٌ  : نصف.
 الْمَحْضُ : الخالص.
 
الرَّبَابَةِ : السحابة البيضاء المنفردة.
 يَغْدُو : يخرج أول النهار.
 
الآفَاقَ  : ما بين السماء والأرض
 وَيُلْقَمُ  : يأخذ بفمه.
 
الْفِطْرَةِ  : الخلقة التي خلقه الله عليها قبل أن يتعلم الكفر والفسوق.
 تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ  : غفر الله لهم.
 

المعنى : (حَدِيثُ سَمُرَة بْنُ جُنْدُبٍ t ) هو أبو سعيد سَمُرَة بْنُ جُنْدُبٍ بن هلال الفزاري توفي بالبصرة سنة 58هـ. (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  ) إِذَا صَلَّى صَلاة الصُّبح أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِه فَقَالَ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ قَالَ سَمُرَة فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ رُؤْيَا قَصَّهَا فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ. فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ قُلْنَا لا ، قَال أنتم ما رأيتم شيئاَ لَكِنِّي رأيت رؤيا فاسمعوا مني .

وكان   (مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ) عقب صلاة الفجر غالباً : (هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟ قَالَ) سَمُرَة بْنُ جُنْدُبٍ t : (فَيَقُصُّ عَلَيْهِ)   (مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ) أي : الصحابة يقصون عليه رؤياهم التي رأوها ،

(وَإِنَّهُ قَالَ)   (ذَاتَ غَدَاةٍ) بعد صلاة الفجر : (إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ) جبريل وميكائيل - كما سيأتي آخر الحديث - أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ. (وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي) أرسلاني , يقال ابتعثه إذا أثاره وأذهبه , (وَإِنَّهُمَا قَالا لِي: انْطَلِقْ ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا) إلى أرض فضاء أو أرض مستوية , (وَإِنَّا أَتَيْنَا) مررنا (عَلَى رَجُلٍ) آدمي (مُضْطَجِع)ٍ مستلقٍ على قفاه (وَإِذَا آخَرُ) يعني : مَلَك ، (قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي) يسقط (بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ) أي : وبيد الملك صخرة يضرب بها هامة الأدمي، (فَيَثْلَغُ) يكسر ويشج (رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ) ينحط ويتدحرج والمراد أنه دفع الحجر من علو إلى أسفل , وتدهده إذا انحط, فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ (الْحَجَرُ هَاهُنَا) أَيْ: إلى جهة الضارب. (فَيَتْبَعُ) الملك (الْحَجَرَ) أَيْ: الذي رمى به (فَيَأْخُذُهُ) . فإذا ذهب ليأخذه (فَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِ) أَيْ: إلى الذي شدخ رأسه (حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ) حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ . (ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى) أي : فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ ، فيصنع مثل ذلك ، وهكذا يعذب على ذنبه . وما ذنبه؟ هذا ما نعرفه آخر الحديث . (قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ). يعني : انطلق وسنخبرك بعد ذلك.

(قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا) مررنا (عَلَى رَجُلٍ) آدمي (مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ) مَلَك يعذبه (قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ) والمعنى : وبيد الملك حديدة معوجة الرأس (مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ) وإِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ (فَيُشَرْشِرُ) يشق ويقطع (شِدْقَهُ) جانب فمه (إِلَى قَفَاهُ) حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، (وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ) ثم يخرجه , فيدخله في شدقه الآخر (فَيَفْعَلُ بِهِ) أي : بِشِدْقِهِ الآخَرِ (مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ) أي : وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، (ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى) وهكذا يعذب على ذنبه . وما ذنبه؟ هذا ما نعرفه آخر الحديث . (قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ). يعني : انطلق وسنخبرك بعد ذلك.

(فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا) مررنا (عَلَى) ثَقْبٍ (مِثْلِ) بناء (التَّنُّورِ) الفرن الذي يخبز فيه ، أَعْلاهُ ضَيِّقٌ ، وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ ، يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا (قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ) أصوات لا تفهم (وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ) نار تأتيهم من أسفل ، فَإِذَا اقْتَرَبَت ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا. (فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا) أَيْ: رفعوا أصواتهم مختلطة. والضوضاة والضوضاء : أصوات الناس ولغطهم وكذا الضوضى. وهكذا يعذبون على ذنبهم . وما ذنبهم؟ هذا ما نعرفه آخر الحديث . (قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاءِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ). يعني : انطلق وسنخبرك بعد ذلك.

(قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ) على نهر من دم (وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ) آدمي مذنب في الدنيا (سَابِحٌ يَسْبَحُ) أي : يعوم ذلك الآدمي في هذا النهر. (وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي) السابح -يريد أن يخرج من نهر الدم - من جهة (ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ) وهو الملك (فَيَفْغَرُ) فيفتح السابح (لَهُ فَاهُ) فمه (فَيُلْقِمُهُ) الملك (حَجَرًا) فيأخذه السابح بفمه ، (فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ) فتح (لَهُ فَاهُ) فمه (فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا) فيأخذه السابح بفمه ، والمعنى : فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الآدمي الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِمهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِمهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ ، وهكذا يعذب على ذنبه . وما ذنبه؟ هذا ما نعرفه آخر الحديث . (قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ). يعني: انطلق وسنخبرك بعد ذلك.

(قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآةً) أَيْ: قبيح المنظر . ، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا) يوقدها ويزيدها اشتعالاً، يقال : حششت النار أحشها حشا : أوقدتها , حششت النار بالحطب : ضممت ما تفرق من الحطب إلى النار , حش ناره : حركها . (وَيَسْعَى حَوْلَهَا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ). يعني : انطلق وسنخبرك بعد ذلك.

(فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ) يقال : أعتمت الروضة غطاها الخصب (فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ) وسطها (رَجُلٌ طَوِيلٌ) قائم (لا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ) أصل هذا الكلام : وإذا حول الرجل ولدان ما رأيت ولدانا قط أكثر منهم , (قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا) الرجل الطويل؟ (مَا هَؤُلاءِ) الولدان ؟ (قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ). يعني : انطلق وسنخبرك بعد ذلك.

(قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ) خَضْرَاءَ (عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلا أَحْسَنَ) وفِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، (قَالَ: قَالا لِي: ارْقَ) اصعد وارتفع (فِيهَا، قَالَ: فَارْتَقَيْنَا) فصعدنا وارتفعنا (فِيهَا) فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ (فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ)جمع لبنة ، وأصلها : ما يبني به من طين ، (فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا، فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ) نصف (مِنْ خَلْقِهِمْ) أي : هيئتهم (كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ وَشَطْرٌ) نصف (كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ) كل واحد منهم نصفه حسن ونصفه قبيح ، (قَالَ: قَالا لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ) بصيغة فعل الأمر بالوقوع , والمراد أنهم ينغمسون فيه ليغسل تلك الصفة بهذا الماء الخاص . (قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ) أي : يجرى عرضاً، (يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ) الخالص (فِي الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ) أَيْ: صار القبيح كالشطر الحسن , ولذلك قال : (فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ).

(قَالَ: قَالا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: فَسَمَا بَصَرِي) أي : نظر إلى فوق , (صُعُدًا) ارتفع كثيراً (فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ) السحابة البيضاء المنفردة، (قَالَ: قَالا لِي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ، قَالا: أَمَّا الآنَ فَلا وَأَنْتَ دَاخِلَهُ) فقلت دعاني أدخل منْزلي , قالا : أنه بقي لك عمر لم تستكمله , ولو استكملته أتيت منْزلك ، (قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟) قُلْتُ : طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ ، فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ . قَالا : نَعَمْ . (قَالَ: قَالا لِي: أَمَا) بتخفيف الميم (إِنَّا سَنُخْبِرُكَ):

(أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ) يكسر ويشج (رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ) عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ (فَيَرْفُضُهُ) رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة ؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ) جُعلت العقوبة في رأس هذه النومة عن الصلاة ، والنوم موضعه الرأس.

(وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ) يُشق ويُقطع (شِدْقُهُ) جانب فمه (إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ) يخرج منه مبكراً، أي: يخرج أول النهار (فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ) ما بين السماء والأرض، وشرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية , وعلى هذا تجرى العقوبة في الآخرة بخلاف الدنيا . وإنما استحق التعذيب لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد وهو فيها مختار غير مكره ولا ملجأ . والعقوبة عليه وعلى أمثاله.

(وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ) الفرن الذي يخبز فيه (فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي) والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم السفلى .

(وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ) يأخذ بفمه (الْحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا) إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة لأن أصل الربا يجرى في الذهب والذهب أحمر , وأما إلقام الملك له الحجر فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئا وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد والله من ورائه محقه .

(وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا) يوقدها ويزيدها اشتعالاً (وَيَسْعَى حَوْلَهَا فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ). إنما كان كريه الرؤية لأن في ذلك زيادة في عذاب أهل النار.

(وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ  ، ) وإنما اختص إبراهيم ؛ لأنه أبو المسلمين, قال تعالى ] مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ [([6]) وقال تعالى ] إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [([7])، (وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ) أي : إبراهيم ، (فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ) الخلقة التي خلقه الله عليها قبل أن يتعلم الكفر والفسوق.

(قَالَ) الراوي: (فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ) من الذين كانوا يستمعون لهذا الحديث: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَأَوْلادُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه   وَأَوْلادُ الْمُشْرِكِينَ)، وظاهره أنه   ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة، ولا يعارض قوله في حديث آخر: (هم من أبائهم)؛ لأن ذلك حكم الدنيا.

(وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ) نصف (مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطْرٌ) نصف (قَبِيحًا فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا) أَيْ: عمل كل منهم عملا صالحا وخلطه بعمل سيء . (تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ) غفر الله لهم. وفي حديث آخر : (وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ : دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ . وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ . وَأَنَا جِبْرِيلُ ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ . فَارْفَعْ رَأْسَكَ) والكلام موجه للرسول  ، (فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ . قَالا) يعني : جبريل وميكائيل : (ذَاكَ مَنْزِلُكَ) يا محمد . (قُلْتُ) القائل رسول الله   : (دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي . قَالا : إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمُرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ ، فَلَوْ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ).

وفي هذا الحديث من الفوائد
فيه دليل لاستحباب إقبال الإمام المصلي بعد سلامه على أصحابه .

فيه استحباب السؤال عن الرؤيا والمبادرة إلى تأويلها وتعجيلها أول النهار لهذا الحديث , ولأن الذهن جمع قبل أن يتشعب بإشغاله في معايش الدنيا , ولأن عهد الرائي قريب لم يطرأ عليه ما يهوش الرؤيا عليه , ولأنه قد يكون فيها ما يستحب تعجيله كالحث على خير , أو التحذير من معصية , ونحو ذلك .

وفيه إباحة الكلام في العلم وتفسير الرؤيا ونحوهما بعد صلاة الصبح .

وفيه أن استدبار القبلة في جلوسه للعلم أو غيره مباح . والله أعلم .

أن الإسراء وقع مراراً يقظة ومناماً على أنحاء شتى .

وفيه أن بعض العصاة يعذبون في البرزخ .

والتحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة , وعن رفض القرآن لمن يحفظه , وعن الزنا وأكل الربا وتعمد الكذب .

وفيه الحث على طلب العلم واتباع من يلتمس منه ذلك .

وفيه فضل الشهداء وأن منازلهم في الجنة أرفع المنازل .

وفيه أن من استوت حسناته وسيئاته يتجاوز الله عنهم , اللهم تجاوز عنا برحمتك يا أرحم الراحمين .

وفيه أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها وفضل تعبيرها واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح لأنه الوقت الذي يكون فيه البال مجتمعا .

 وفيه استقبال الإمام أصحابه بعد الصلاة إذا لم يكن بعدها راتبة وأراد أن يعظهم أو يفتيهم أو يحكم بينهم .

 

---------------------------------------

([1]) مريم (59).

([2]) المدثر (38-48).

([3]) القيامة (26-35).

([4]) رواه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها،ح1372.

([5]) رواه البخاري في كتاب: التعبير، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، ح6525.

([6]) سورة الحج [الآية : 78] .

([7]) سورة آل عمران [الآية : 68] ..


 
 

 

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ سوء عاقبة من أضاع الصلاة

  • مبطلات الصلاة

    د. فخر الدين بن الزبير المحسي

    1- التيقن من عدم الطهارة. 2- ترك شرط من شروط  الصلاة، أو ركن من أركانها، بلا عذر. 3- الأكل والشرب عمداً. 4-

    14/07/2022 906
  • قسم الفقه السؤال الثامن عشر

    يزن الغانم

    س: ما حكم ترك الصلاةج: ترك الصلاة كفر "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه أحمد والترمذي

    09/11/2021 758
  • ما لا ينبغي فعله في الصلاة

    د. فخر الدين بن الزبير المحسي

    1- وضع اليد على الخاصرة 2- تشبيك الأصابع، وفرقعتها. 3- الالتفات لغير حاجة 4- رفع البصر إلى السماء 5- التثاوب،

    04/07/2022 817
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day