صور من عبادة السر : 11- قضاء الديون
نعم أخي الكريم لقد كان للأخفياء سهم في كل باب، وأثر في كل ناد، وانظر القصة المدهشة التي تنمُّ عن نفس عالية تريد الادخار ليوم لا ينفع المرء غلا صالح عمله، فعن محمد بن عيسى قال: كان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى (طرسوس).
وكان ينزل الرِّقَّةَ في خان (يعني فندق)، فكان شاب يختلف إليه، ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، قال فقدم عبد الله الرّقّة مرّة فلم يَرَ ذلك الشّاب،وكان مستعجلا (أي عبد الله بن المبارك)، فخرج في النّفير (أي إلى الجهاد).
فلما قفل من غزوته، ورجع إلى الرّقّة، سأل عن الشّاب.فقالوا إنّه محبوس لدين ركبَه.فقال عبد الله وكم مبلغ دينه ؟ فقالوا عشرة آلاف درهم.
فلم يزل يستقصي حتى دُلّ على صاحب المال، فدعا به ليلا ووزن له عشرة آلاف درهم، واستحلفه ألاّ يخبر أحدا مادام عبد الله حيّا، وقال إذا أصبحت فأخرج الرّجل من الحبس.
وأدلج عبد الله (أي سار في آخر اللّيل).وأخرج الفتى من الحبس وقيل له عبد الله بن المبارك كان هاهنا وكان يذكرك، وقد خرج.
فخرج الفتى في أثره، فلاحقه على مرحلتين أو ثلاثة من الرّقّة.
فقال يا فتى (عبد الله بن المبارك يقول للفتى) أين كنت؟.
فانظر إلى ابن المبارك كيف يتصانع –رضي الله عنه وأرضاه- وكأنّه ما علم عن حال الفتى ؛ فقال عبد الله المبارك: يا فتى أين كنت؟ لم أرك في الخان.
نعم يا أبا عبد الرحمن كنت محبوسا بدين، فقال له: وكيف كان سبب خلاصك؟، قال: جاء رجل وقضى ديني ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس، فقال له عبد الله: يا فتى احمد الله على ما وَفَّقَ لك من قضاء دينك.
فلم يخبر أحد بعمل ابن المبارك إلا بعد موته رحمه الله تعالى.