الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
❁
قال الله تعالى: (*فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ*)
ـ وهو *ولي الإسلام* و*ولي المؤمنين* و*ولي المتقين*، وهو *ولي الإسلام وأهله*، وهو *المولى* و*نعم المولى*.
وجاء اسم الولي في القرآن بصيغ كثيرة لبيان أهمية الموالاة والانتماء إلى الله تعالى وإلى دينه وإلى الطائفة المؤمنة.
فقال الله تعالى عن نفسه: (*هُوَ الْوَلِيُّ*) (*وَلِيُّكُمُ*) (*وَلِيُّهُمْ*) (*وَلِيُّهُمَا*) (*وَلِيُّنَا*)
*المعاني والدلالات لاسمه تعالى الولي* :
*1- الولي هو الذي يملك عباده ويتولي تدبير أمورهم، ويصلح شؤونهم، وهذه الولاية العامة.*
*2- والولاية الخاصة تكون لأوليائه المؤمنين، فينصرهم ويؤيدهم، ويحبهم ويقربهم، وذلك بقدر إيمانهم وطاعاتهم.*
فهو *الولي* للمؤمنين فلا غالب لمن تولاهم، ويؤذن بالحرب من عاداهم.
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْـحَرْبِ»
قال الله تعالى: (*وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ*)
*3ـ ويوم القيامة سيجعل الله كل إنسان يتبع من كان يتولاه في الدنيا.*
*4ـ فمن تولى الله ورسله والطائفة المؤمنة نجا، ومن تولى أعداءه هوى.*
*ـ نعوذ بالله من الهاوية، ومن نارها الحامية.*
*عبادة الله باسمه تعالى الولي:*
1ـ اسم الله *الولي* يقتضي أن يتولاه العبد وأن يتولى دينه الإسلام الذي ارتضاه لنفسه، وأن يتولى الطائفة المؤمنة التي تنتمي لهذا الدين، ولا يتولى غيرهم من الكفار ولا أديانهم الفاسدة، ولا آلهتهم الباطلة.
فمن تولى الله كان من المؤمنين، ومن رغب عن ولاية الله تركه الله لمن تولاه وكان من الكافرين.
*2- ينبغي على العبد أن يحرص على الانتماء إلى الطائفة المؤمنة الذين هم اتباع الرسل، فيجعل الخالق وليه من دون المخلوقين، ويوالي أولياء الله الذين يحبهم الله وينصرهم.*
*3ـ تحرم كل صور الموالاة لأعداء الله تعالى، بل هي من الشرك.*
4- وتحرم موالاة الكفار وإن كانوا من أقرب الناس نسبًا.
ويحرم الاستغفار لهم، وتحرم نصرتهم، والسير تحت رايتهم، والانضمام لأحزابهم، وتحرم الاستعانة بهم في الحروب، وتحرم توليتهم للمناصب المهمة، وتحرم طاعتهم في غير ما أمر الله، ويحرم الثناء عليهم وعلى كفرهم، وتحرم معاونتهم على الظلم الذي يفعلونه، ويحرم التشبه بهم في زيهم وكلامهم وأعيادهم، ويحرم حضورها لأنها من الزور، ويحرم التسمي بأسمائهم، ويحرم التواجد في بلادهم وأماكن سلطانهم بغير غرض شرعي، ويحرم مداهنتهم ومجاملتهم في أحكام الدين.
*5ـ وأولياؤه تعالى لم يصلوا إلى تلك المنزلة إلا بحبه والمداومة على طاعته، وأن جعلوا حياتهم كلها لنصرته ودعوة الخلائق لمحبته، وإزالة عوائق الطغاة التي تحول دون ذلك بجهادهم بالنفس والمال، ثم محبة المحبين له، المؤمنين به.*
*6ـ وأولياء الله لا يهتمون بما يفقدونه من الدنيا في سبيل تحقيق تلك الغاية ولا ينصتون لمن يخذلهم ويأمرهم بتقليل بذلهم لله، أو يأمرهم بالاهتمام بتحصيل حظوظهم من الدنيا، أو يلومهم على تضيع زهرتها أثناء نصرهم لله تعالى.*
*7ـ كيف ينال العبد الولاية* ؟
إن العبد إذا أدى الفرائض صار *مؤمنًا* وأحب الله منه إيمانه، فإذا أدى النوافل وداوم عليها صار *وليًا* فأحبه الله حبًا كاملاً من كل وجه.
فإذا أحبه الله تولَّاه وأسقط من قلبه كل الأنداد، *وأسقط عن جوارحه كل الشهوات* فيصبح العبد لا يسمع ولا يبصر ولا يمشى إلا إلى ما يرضى الله، فتتم له الولاية لله تعالى.فأصبحت كل حواسه: سمعه وبصره ويده ورجله تابعة لمراد الله، فهو لا يحرك ساكنًا ولا يفعل شيئًا ولا يترك شيئًا إلا لله وبالله، فهو لا يفعل شيئًا إلا لله *إخلاصًا* له تعالى، ولا يفعل شيئًا إلا بالله *استعانةً* به تعالى.
ولا يَصِل العبد إلى ولاية الله إلا بمتابعة الفرائض بالنوافل، فالفرائض أحب شيء لله تليها النوافل، ولا يقبل الله النافلة حتى تُؤدَى الفريضة، ولا يزال العبد يتابع الفرائض بالنوافل حتى يصل إلى إحسان العبادة.
*8ـ صفة من يحبهم الله.*
قال الله تعالى: (*فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ*)
وحب الله للعبد *هو عنوان السعادة وهدف العبادة* ودليل كمالها وأعلى منازلها وهو أولها وأخرها.
وأولياؤه لم يصلوا إلى حبه لهم إلا بعد أن جعلهم يحبونه ويطيعونه ويعبدونه.
فجاء في وصفهم أنهم:
*(1) يحبون ربهم*
وهكذا الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، فيمتلئ القلب بحب الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يبقى فيه مكان لشيء بعد، أي شيء، حتى نفسه لا يجد في قلبه متسعًا لحبها بعد حب الله، إلا ما كان حبه تابعًا لحب الله تعالى.
حتى إذا استشعر العبد حلاوة الإيمان، طلب مزيدًا من القرب، فعلم أنه لا يبلغ ذلك إلا ببذل ماله ونفسه لربه جهادًا في سبيله، فهان عليه عرضٌ فانٍ، وهان عليه جسدٌ بال، واختار جوار ملكٍ باقٍ.
*(2) أذلة على المؤمنين*
*فإن حبهم لإخوانهم من علامات حبهم لربهم*
فتجد أحدهم يعامل إخوانه كالولد لوالده وكالعبد لسيده.
كأن أمواله اقترضها منهم فإن سألوه إياها سارع بردها إليهم، لا يرى لنفسه منَّة في أداء حقهم عليه.
وكأن نفسه عارية أعارها له خالقها، فإن طلبها منه نُصرةً لدينه، سارع بدفعها إلى خالقها، لا يرى لنفسه فضلاً، بل الفضل لله إن قبلها.
ثم إذا نظر إلى نفسه وجد أنها أقل من أن تُبذل في الله العظيم.
فيا فرحة القلب إن قبلها على عيبها، ويا لفوز العبد إن قبلها على نقصها.
*(3) أعزة على الكافرين*
وأثمر حبهم لربهم أن صاروا يبغضون من يبغضهم الله من الكافرين والمشركين، فأصبحوا أعزة عليهم.
ثم دفعهم حبهم لله إلى *دعوة أهل الأرض جميعًا إلى حب الله والدخول في دينه* .
*(4) يجاهدون في سبيل الله*
فإن طالبه محبوبة الأعلى أن يضحي من أجله بكل ما يملك وما يحب من زهرة هذه الدنيا، سارع إلى ذلك وبذل ماله لله، فإن طلب الله منه نفسه ـ التي هي أحب شيء لديه ـ جهادًا في سبيله، سارع ببذلها طواعية.
فإذا به يعقد *بيعة الرضوان* : يبيع نفسه لله ويشتري بذلك الجنة.
ـ *فمرحبًا بعقدٍ كان الله فيه المشتري، والثمن الجنة، والدفع نقدًا*؛ لأنه إذا مات دخل الجنة من فوره ولا ينتظر إلى يوم الحساب.
ـ *ومرحبًا بعقد شهوده أمين السماء وأمين الأرض* جبريل ـ عليه السلام ـ ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ـ *ومرحبًا بعقد وثَّقه الله في أعظم كتبه* القرآن العظيم *وزاد من شرفه بأن تكلم سبحانه بنصه* ، فإن القرآن كلام الله،
قال الله تعالى: (*إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ*)
فبعد أن عرفت قيمة نفسك وعِظَم شأنها، فهل ترضى أن تبيعها لغير الله *بيعة خاسرة* ؟ ويكون ثمنها شيئًا من الدنيا الفانية؟
هل ترضى أن تترك الصفقة الرابحة والجنة العالية وتنفق عمرك لنيل شهوة فانية.
*(5) ولا يخافون لومة لائم* :
فلم تمنعه رهبة الناس أن *يصدع بالحق* ويقول الصدق فإنه لا يقرب من أجل ولا يمنع من رزق.
فتجده *قد هانت عليه نفسه في الله* فلم يُقم لها وزنًا، دائم الذكر لربه، والقيام بحقه وفرضه، قد استلذ بالطاعة وتحمل المشقة، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، دائم المراقبة لربه، كأن الجنة عن يمينه والنار عن يساره والصراط أمامه.