عمارة الوقت بالطاعة
المحور الثالث في الصدق مع الله -وهو الأخير-: تعمير الوقت بالطاعة.
أي: أن أعمر الوقت بالطاعة، قال أحد الصالحين: أحتسب عند الله نومتي كما أحتسب عنده قومتي، أي: عندما ينام، يقول: لماذا أنام؟ فإن كنت أنام كي أقوم مرة أخرى لعمل الطاعة، ولأن أفتح صفحة جديدة من تعمير الدنيا بأمر الله، وبفضله وبطاعته وبكرمه وبقانونه، فنومي أثاب عليه، فبعض الناس نومه في ذاته عبادة. وأما الظالم فنومه خير من يقظته؛ لأنه طالما وهو موجود فنومه أحسن، وهو مثل الطفل كثير الصراخ، فإنهم يهدهدونه ويهدئونه لينام، فإذا نام قالوا: الحمد لله نام، وهذا -أي: الطفل- غير مؤذ إلا في الصياح فقط، بينما الثاني مؤذ في كل شيء، فنومه أفضل. فينبغي أن أعمر الوقت بالطاعة بحيث يظهر أثر هذه الطاعات في سلوكياتي مع الناس، وقد أقول: لا دخل لك بالصلاة؛ فصلاتي بيني وبين ربي، لكن إن لم تنهني صلاتي عن الفحشاء والمنكر والبغي فما فائدتها؟! فإن قال قائل: قد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـحنظلة : (هذه ساعة وتلك أخرى). فنقول: وأي ساعة تلك التي لـحنظلة ؟ يقول حنظلة : عندما نكون معك نشعر بأننا نطير في السماء، فلما نعافس النساء والأولاد نعود إلى الدنيا، فمسألته أن طاعته بلغت مائة في المائة، فلما يترك الرسول تتراجع الطاعة إلى خمسة وتسعين في المائة، فهو يريد أن يطيع دوماً مائة في المائة، فكأن النبي قال له: لا، الأمر مرة خمسة وتسعون، ومرة مائة في المائة. فالصحابة ظل الرسول عليه الصلاة والسلام يرفع في إيمانياتهم حتى صاروا فوق الأفق، واستمر سيرهم هكذا فوق الأفق. ولو قال أحد: إذا كانت طبيعة الحياة الدنيا من حيث العمل مثلاً تعرقل الإنسان عن أداء العبادات، وتحديداً الصلاة في وقتها، فما الحيلة؟ نقول: لا شيء يعطل الإنسان عن الصلاة ووقتها، وأوقات الصلاة خمسة، ما بين كل وقت ووقت هناك أول الوقت ووسطه وآخره، ولا يوجد عمل في الدنيا إلا وفيه راحة، فلا يوجد عمل عشر ساعات دفعة واحدة.
وما العذر الذي تقبله مصادر الشريعة الإسلامية في تقصير العبد في فريضة فرضت عليه؟ الجواب: الموت، أما إن كان حياً فهو مكلف بها، إلا إن كان مغمىً عليه، أو مجنوناً أو نائماً أو طفلاً، أما من كان وسط عملية جراحية فيلزمه أن يصلي ويصوم.