كلام الله
كلام الله
والله – سبحانه – يتكلم متى شاء كيف يشاء ، لا يشبه كلامه كلام المخلوقين ، وقد كلم الله بعض خلقه وكلموه ، منهم نبي الله موسى ( وكلَّم الله موسى تكليماً ) [النساء : 164 ] ، ( ولمَّا جاء موسى لِمِيقَاتِنَا وكلَّمهُ ربُّه ) [الأعراف : 143] .وقد ذكر لنا الله ما دار بينه وبين موسى : ( قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرَّ مكانه فسوف تراني فلمَّا تجلَّى ربُّه للجبل جعله دكّاً وخرَّ موسى صعقاً فلمَّا أفاق قال سُبْحَانَكَ تبت إليك وأنا أول المؤمنين – قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النَّاس بِرِسَالاَتِي وبكلامي فخذ ما آتَيْتُكَ وكن من الشَّاكرين ) [ الأعراف: 143-144] .
وكلم الله آدم وحواء ( وناداهما ربُّهما ألم أنهكما عن تلكما الشَّجرة وأقل لَّكما إنَّ الشَّيطان لكما عدوٌّ مُّبينٌ ) [ الأعراف : 22 ] .
ويكلم الله جبريل ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل : إنّ الله أحبّ فلاناً فأحبه ، فيُحبهُ جبريل ، ثم ينادي جبريل في أهل السماء : إنّ الله قد أحب فلاناً فأحبوه ،فيحبه أهل السماء ،ويوضع له القبول في الأرض ) . (1)
وتسمع الملائكة ربهم حين يتكلم ، ففي الصحيح عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعاناً لقوله ، كأنّه سلسلة على صفوان ، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ، قالوا : الحقّ ، وهو العلي الكبير ) . (2)
وهذا الحديث أورده البخاري تفسيراً لقوله تعالى : ( ولا تنفع الشَّفاعة عنده إلاَّ لمن أذن له حتَّى إذا فُزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربُّكم قالوا الحقَّ وهو العليُّ الكبير ) [سبأ : 23 ] .
فقد جعل البخاري هذه الآية باباً ، ثم قال : " ولم يقل ماذا خلق ربكم " ، وأورد في هذا الباب ما رواه مسروق عن ابن مسعود معلقاً موقوفاً عليه : " إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات شيئاً ، فإذا فزع عن قلوبهم ، وسكن الصوت ، عرفوا أنه الحق ، ونادوا : ماذا قال ربكم " .
وأورد حديثاً معلقاً يرويه جابر عن عبد الله بن أنيس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يحشر الله العباد فيناديهم بصوت ، يسمعه من بَعُدَ ، كما يسمعه من قَرُبَ : أنا الملك أنا الديان ) . (3)
وقال البخاري في كتابه ( خلق أفعال العباد ) معلقاً على هذا الحديث : " في هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق ؛ لأن صوت الله جلّ ذكره يسمع مِن بُعْدٍ كما يُسمع من قُرْبٍ ، وأن الملائكة يصعقون من صوته " . (4)
ويتكلم الله – سبحانه – بصوت لا يشبه شيئاً من أصوات الخلق كما في الحديث الذي يرويه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله يا آدمُ ، فيقول : لبيك وسعديك ، فيُنَادِي بصوت : إنّ الله يأمرك أن تخرج من أمتك بعثاً إلى النار ) . (5)
وفي يوم القيامة يكلم الملائكة ( ويوم يحشرهم جميعاً ثمَّ يقول للملائِكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون – قالوا سبحانك أنت وليُّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجِنَّ أكثرهم بهم مُّومنون ) [ سبأ : 40-41 ] .
ويخاطب الكفرة المكذبين مقرّعاً ومبكتاً ( ويوم نحشر من كل أمَّةٍ فوجاً مَّمَّن يكذّبُ بآياتنا فهم يوزعون – حتَّى إذا جَاؤُوا قال أكذَّبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً أمَّاذا كنتم تعملون ) [ النمل : 83-84 ] .
ويخاطب الله أهل الجنة ويكلمهم ، فعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك وسعديك والخير في يديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك . فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب ، وأيّ شيء أفضلُ من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكمُ رضواني ، فلا أسخطُ عليكم بعدهُ أبداً ) . (6)
كلام الله لا يحصى ولا يستقصى :
قال الله تبارك وتعالى : ( قل لَّو كان البحر مداداً لكلمات ربّي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربّي ولو جئنا بمثله مدداً ) [ الكهف : 109 ] .
القرآن كلام الله حقيقة :
والقرآن كلام الله حقيقة لا شك في ذلك ، قال تعالى : ( وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتَّى يسمع كلام الله ) [ التوبة : 6 ] ، وقال تعالى : ( سيقول المُخلَّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتَّبعكم يريدون أن يبدّلوا كلام الله قل لَّن تتَّبعونا كَذَلِكُمْ قال الله من قبل ) [ الفتح : 15 ] .
وقال تعالى : ( ولو أنَّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمدُّه من بعده سبعة أبحرٍ مَّا نفذت كلمات الله ) [ لقمان : 27 ] .
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية (7) : " يقول الله تعالى مخبراً عن عظمته ، وكبريائه ، وجلاله ، وأسمائه الحسنى ، وصفاته العلا ، وكلماته التامة التي لا يحيط بها أحد ، ولا اطلاع لبشر على كنهها وإحصائها ، كما قال سيد البشر : ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) (8) فقال تعالى : ( ولو أنَّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ ) [لقمان : 27] أي : ولو أنَّ جميع أشجار الأرض جعلت أقلاماً ، وجعل البحر مداداً ، ومدّه سبعة أبحر معه ، فكتبت بها كلمات الله تعالى الدالة على عظمته وصفاته وجلاله لتكسّرت الأقلام ، ونفد ماء البحر ، ولو جاء أمثالها مدداً " .
وقال الحسن البصري : " لو جعل شجر الأرض أقلاماً ، وجعل البحر مداداً ، وقال الله تعالى : إن من أمري كذا ، ومن أمري كذا ، لنفد ما في البحور ، وتكسّرت الأقلام " وصدق الله إذ يقول : ( وما أُوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً ) [ الإسراء : 85 ] .
---------------------------
(1) رواه البخاري:13/461 ، ورقمه : 7458 . ورواه مسلم : 4/2030 . ورقمه : 2637 ، واللفظ للبخاري .
(2) رواه البخاري : 13/453 ، ورقمه : 7481 .
(3) صحيح البخاري : 13/452 .
(4) خلق أفعال العباد : ص 149 .
(5) رواه البخاري : 13/453 ، ورقمه : 7483 ، وانظر : 8/441 . رقم : 4741 ، ورواه مسلم : 1/201 ، ورقمه : 222. واللفظ للبخاري .
(6) رواه البخاري : 13/487 ، ورقمه : 7518 ، ورواه مسلم : 4/2176 ، ورقمه : 2829 ، واللفظ للبخاري .
(7) تفسير ابن كثير : 5/394 .
(8) رواه مسلم : 1/353 ، ورقمه : 486 .