كلمات القرآن تصنع الرجال
نعم، إن كلمات القرآن -عندما تؤخذ بحقها- تصنع رجالا لا كأي رجال، إنها تصنع رجالا ليسوا من طينة الأرض. ذلك أنها تصنع الوجدان الفردي والجماعي والسلطاني للإنسان، على عين الله ووحيه؛ فيتخرج من ذلك كله قوم جديرون بأن يسموا بـ"أهل الله وخاصته"،
وبهذا يتحولون إلى قَدَر الله الذي لا يرده شيء في السماء ولا في الأرض، فَيُجْرِي الله جل جلاله بهم أمره الكوني في التاريخ.
أولئك الذين تحققوا بمعية رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلُّما وتزكيةً:
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾
(الفتح:29).
إن كلمات القرآن هي السلاح الأوحد لمواجهة تحديات هذا العصر، إنها تتحدى اليوم -بما تزخر به من قوى غيبية- العالَمَ كله،
فهل من مستجيب أو هل من مبارز؟
﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾
(الإسراء:88).
إنها كلمات تصنع كل ما يدور بخيالك من أسباب القوة والمَنَعة، من الإنسان إلى السلطان. ذلك أنها إذا تفجر نورُها ببصيرة العبد المتخلق بالقرآن، المتدبرِ لآيه العظيم، والمتحققِ بِحِكَمِه؛ جعل منه هو نفسه سلاحا يسحق ظلمات العصر ويكشفها كشفا، وبرهانا يدمغ باطل هذا الوابل الإعلامي الذي يهطل بالمصطحات المغرضة، والمفاهيم المخربة للمخزون الوجداني والثقافي للأمة، بما يبني من الوجدان الفردي للإنسان ما لا طاقة لوسائل التدمير المادية والمعنوية معا -مهما أوتيت من قوة- على تغييره أو تفتيته. ثم هو -في الوقت نفسه- يبني النسيج الاجتماعي للأمة، ويقويه بما لا يدع فرصة لأي خطاب إعلامي مضاد أن ينال منه، ولو جاء بشر الخطاب وأشد الخراب، كلمةً وصورةً وحركة!