ما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر
تاسعًا : ما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر ؟
(1) الشرك الأكبر يخرج من الإسلام والأصغر لا يخرج من الإسلام.
(2) الشرك الأكبر يخلد صاحبه في النار، والأصغر لا يخلد صاحبه في النار إن دخلها.
(3) الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال، والشرك الأصغر لا يحبط جميع الأعمال وإنما يحبط الرياء والعمل للدنيا العمل الذي خالطه.
(4) الشرك الأكبر يبيح الدم والمال، والأصغر ليس كذلك([1]).
(5) الشرك الأكبر يوجب العداوة بين صاحبه وبين المؤمنين، فلا يجوز للمؤمنين موالاته، ولو كان أقرب قريب، وأما الشرك الأصغر فإنه لا يمنع الموالاة مطلقًا، بل صاحبه يحب ويُوالَى بقدر ما معه من التوحيد، ويبغض ويُعادَى بقدر ما فيه من الشرك الأصغر([2]).
عاشراً : لو أردت أن تدافع عن الإسلام وتبين لمشرك بالله فساد اعتقاده كيف يمكنك أن تبطل شبهاته ؟؟ فما هي الأدلة على إبطال الشرك ؟
بداية علينا أن نعرف أنَّ كل من دعا نبيًّا، أو وليًّا، أو ملكًا، أو جنيًّا، أو صرف له شيئًا من العبادة فقد اتخذه إلهًا من دون الله([3])، وهذا هو حقيقة الشّرك الأكبر .
وقد قال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[ سورة النساء : 48 ]
أما الأدلة القاطعة الواضحة في إبطال الشرك، وذم أهله كثيرة، منها ما يأتي:
(1) دليل التمانع والتنازع :
قال الله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ، لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[ سورة الأنبياء :21-23]
فلو كان في السَّماوات والأرض آلهة تستحق العبادة غير الله لفسدتا وفسد ما فيهما من المخلوقات؛ لأن تعدد الآلهة يقتضي التمانع والتنازع والاختلاف، فيحدث بسببه الهلاك، فلو فُرِضَ وجود إلهين، وأراد أحدهما أن يخلق شيئًا والآخر لا يريد ذلك، أو أراد أن يُعطي والآخر أراد أن يمنع، أو أراد أحدهما تحريك جسم والآخر يريد تسكينه، فحينئذ يختل نظام العالم، وتفسد الحياة! و ذلك :
* لأنه يستحيل وجود مرادهما معًا، وهو من أبطل الباطل؛ فإنه لو وجد مرادهما جميعًا للزم اجتماع الضدين، وأن يكون الشيء الواحد حيًّا ميتًا، متحركًا ساكنًا.
* و إذا لم يحصل مراد واحد منهما لزم عجز كل منهما، وذلك يناقض الربوبية.
* وإن وُجِدَ مراد أحدهما ونفذ دون مراد الآخر، كان النافذ مراده هو الإله القادر والآخر عاجز ضعيف مخذول.
* و اتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور غير ممكن.
وحينئذ يتعين أن القاهر الغالب على أمره هو الذي يوجد مراده وحده غير مُمانع ولا مُدافع، ولا مُنازع ولا مُخالف ولا شريك، وهو الله الخالق الإله الواحد، لا إله إلا هو، ولا رب سواه؛ ولهذا ذكر سبحانه دليل التمانع في قوله عز وجل: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[ سورة المؤمنون، 91، 92]
(2) ضرب الأمثال من أوضح وأقوى أساليب الإيضاح والبيان في إبراز الحقائق المعقولة في صورة الأمر المحسوس، وهذا من أعظم ما يُردُّ به على الوثنيين في إبطال عقيدتهم وتسويتهم المخلوق بالخالق في العبادة والتعظيم؛ ولكثرة هذا النوع في القرآن الكريم سأقتصر على ثلاثة أمثلة توضح المقصود على النحو الآتي:
(أ) قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[ الحج : 73، 74 ]
فحق على كل عبد أن يستمع لهذا المثل، ويتدبره حق تدبره، فإنه يقطع مواد الشرك من قبله، فالآلهة التي تُعبَد من دون الله لن تقدر على خلق الذباب ولو اجتمعوا كلهم لخلقه، فكيف بما هو أكبر منه، بل لا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئًا مما عليهم من طيب ونحوه، فيستنقذوه منه ، فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو أضعف المخلوقات، ولا على الانتصار منه واسترجاع ما سلبهم إياه، فلا أعجز من هذه الآلهة الباطلة، ولا أضعف منها، فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله؟!
وهذا المثل من أبلغ ما أنزل الله تعالى في بطلان الشرك وتجهيل أهله([4]).
(ب) ومن أحسن الأمثال وأدلّها على بطلان الشرك، وخسارة صاحبه وحصوله على ضد مقصوده، قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ}[ العنكبوت : 41-43 ]
فهذا مثل ضربه الله لمن عبد معه غيره يقصد به التعزز والتقَوِّي والنفع، فبين سبحانه أن هؤلاء ضعفاء، وأن الذين اتخذوهم أولياء من دون الله أضعف منهم، فهم في ضعفهم وما قصدوه من اتخاذ الأولياء كالعنكبوت التي هي من أضعف الحيوانات، اتخذت بيتًا وهو من أضعف البيوت، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفًا، وكذلك من اتخذ من دون الله أولياء، فإنهم ضعفاء، وازدادوا باتخاذهم ضعفًا إلى ضعفهم. ([5])
(ج) ومن أبلغ الأمثال التي تُبيّن أن المشرك قد تشتت شمله واحتار في أمره، ما بيّنه تعالى بقوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[ الزمر : 29]
فهذا مثل ضربه الله تعالى للمشرك والموحد، فالمشرك لَمَّا كان يعبد آلهة شتى شُبِّهَ بعبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون، سيئة أخلاقهم، يتنافسون في خدمته، لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين، فهو في عذاب.
والموحد لَمَّا كان يعبد الله وحده لا شريك له ، فمثله كمثل عبد لرجل واحد، قد سلم له، وعلم مقاصده، وعرف الطريق إلى رضاه، فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه واختلافهم، بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه، مع رأفة مالكه به، ورحمته له، وشفقته عليه، وإحسانه إليه، وتوليه لمصالحه، فهل يستوي هذان العبدان؟ والجواب: كلا، لا يستويان أبدًا([6]).
(3) من الحكمة في دعوة المشركين إلى الله تعالى لفت أنظارهم وقلوبهم إلى نعم الله العظيمة: الظاهرة والباطنة، والدينية والدنيوية. فقد أسبغ على عباده جميع النعم: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[ النحل : 53 ]، وسخر هذا الكون وما فيه من مخلوقات لهذا الإنسان.
وقد بيّن سبحانه هذه النعم، وامتن بها على عباده، وأنه المستحق للعبادة وحده، ومما امتن به عليهم ما يأتي:
(أ) على وجه الإجمال: قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [ البقرة : 29 ] ، {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [ لقمان :20]، {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [ الجاثية : 13]
فقد شمل هذا الامتنان جميع النعم: الظاهرة والباطنة، الحسّيّة والمعنوية، فجميع ما في السماوات والأرض قد سُخِّر لهذا الإنسان، وهو شامل لأجرام السماوات والأرض، وما أودع فيهما من: الشمس والقمر والكواكب، والثوابت والسيارات، والجبال والبحار والأنهار، وأنواع الحيوانات، وأصناف الأشجار والثمار، وأجناس المعادن، وغير ذلك مما هو من مصالح بني آدم، ومصالح ما هو من ضروراتهم للانتفاع والاستمتاع والاعتبار.
وكل ذلك دالّ على أن الله وحده هو المعبود الذي لا تنبغي العبادة والذلّ والمحبة إلا له، وهذه أدلة عقلية لا تقبل ريبًا ولا شكًا على أن الله هو الحق، وأن ما يدعى من دونه هو الباطل([7]): {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[ سورة الحج : 62]
(ب) على وجه التفصيل: ومن ذلك قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ، وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[ إبراهيم، الآيات: 32-34]
وقال عز وجل بعد أن ذكر نعمًا كثيرة: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}[ النحل : 14-18]
أفمن يخلق هذه النعم وهذه المخلوقات العجيبة كمن لا يخلق شيئًا منها؟
ومن المعلوم قطعًا أنه لا يستطيع فرد من أفراد العباد أن يحصي ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه، أو حاسة من حواسه، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه في بدنه، وكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنوعها واختلاف أجناسها؟([8]).
ولا يسع العاقل بعد ذلك إلا أن يعبد الله الذي أسدى لعباده هذه النعم ولا يشرك به شيئًا؛ لأنه المستحق للعبادة وحده سبحانه.
(4) إتقان العالم العلوي والسفلي، وانتظامه منذ خلقه، واتساقه، وارتباط بعضه ببعض في غاية الدقة والكمال: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ}[ الملك : 3]
وكل ذلك مسخر، ومدبر بالحكمة لمصالح الخلق كلهم يدل على أنَّ مدبره واحد، وربه واحد، وإلهه واحد، لا معبود غيره، ولا خالق سواه. ([9])
(5) من المعلوم عند جميع العقلاء أن كل ما عُبِدَ من دون الله من الآلهة ضعيف من كل الوجوه، وعاجز ومخذول، وهذه الآلهة لا تملك لنفسها ولا لغيرها شيئًا من ضر أو نفع، أو حياة أو موت، أو إعطاء أو منع، أو خفض أو رفع، أو عزّ أو ذلّ، وأنها لا تتصف بأي صفة من الصفات التي يتصف بها الإله الحق، فكيف يُعْبدُ مَنْ هَذه حَالُه؟ وكيف يُرجى أو يُخاف من هذه صفاته؟ وكيف يُسئَل من لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئًا([10]).
قال سبحانه: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [ سورة المائدة : 76]
وقال عز وجل: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ، وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ، وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ، إِنَّ وَلِيِّـيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ، وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}[الأعراف : 191-198]
وقال عز وجل: {وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا}[ الفرقان : 3 ]
وهي مع هذه الصفات لا تملك كشف الضر عن عابديها ولا تحويله إلى غيرهم {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً}[الإسراء : 56]
(6) قال تعالى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء : 57 ]
ومن المعلوم يقينًا أن ما يعبده المشركون من دون الله: الأنبياء، أو الصالحين، أو الملائكة، أو الجن الذين أسلموا، أنهم في شغل شاغل عنهم باهتمامهم بالافتقار إلى الله بالعمل الصالح، والتنافس في القُرْبِ من ربهم يرجون رحمته ويخافون عذابه، فكيف يُعبَدُ من هذا حاله؟([11])
(7) قال عز وجل: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ، وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [ سبأ : 22، 23]
وقال سبحانه تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ، إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُواْ دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13، 14]
فأوضح وبيّن سبحانه أن ما عُبِدَ من دونه قد توفرت فيهم جميع أسباب العجز وعدم إجابة الدعاء من كل وجه؛ فإنهم لا يملكون مثقال ذرة في السَّمَاوات ولا في الأرض لا على وجه الاستقلال، ولا على وجه الاشتراك، وليس لله من هذه المعبودات من ظهير يساعده على ملكه وتدبيره، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له. ([12])
(و) قال عز وجل: {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}[ الزمر : 38 ]
وقال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ، وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[ سورة يونس : 106-107]
فكل مخلوق لا ينفع ولا يضر ، فمن دعا ما لا يضره ولا ينفعه فقد ظلم نفسه بالوقوع في الشرك الأكبر، فالله وحده المستحق للعبادة {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ}[الأنعام : 17]
(8) قال عز وجل: {وَمَنْ أَََضَلّ ممن يَدْعواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَ يَسْتَجِيب لَه إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ و هم عن دعائهم غَافِلونَ وَ إِذَا حشََِر الناس كانوا لهم أعداء و كانوا بعبادتهم كافرين }[الأحقاف: 5-6]
فهل هناك ضلال أعظم من أن تعبد من لا يستجيب لك طيلة حياتك ، فلا ينتفعون بهم مثقال ذرة، وهم لا يسمعون منهم دعاء، ولا يجيبون لهم نداء، وهذا حالهم في الدنيا، ويوم القيامة يكفرون بشركهم، ويكونون لهم أعداء يلعن بعضهم بعضًا، ويتبرأ بعضهم من بعض([13]).
(9) الذي يستحق العبادة وحده من يملك القدرة على كل شيء، والإحاطة بكل شيءٍ، وكمال السلطان والغلبة والقهر والهيمنة على كل شيءٍ، والعلم بكل شيء، ويملك الدنيا والآخرة، والنفع والضر، والعطاء والمنع بيده وحده، فمن كان هذا شأنه فإنه حقيق بأن يُذكَر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، ويُطاع فلا يُعصى، ولا يُشرك معه غيره([14]).
-----------------------
([1]) انظر: كتاب التوحيد، للعلامة الدكتور صالح الفوزان، ص12.
([2]) انظر: المرجع السابق، ص15.
([3]) انظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، ص242.
([4]) انظر: أمثال القرآن، لابن القيم، ص47، والتفسير القيم، لابن القيم، ص368، وتفسير البغوي، 3/298، وتفسير ابن كثير، 3/236، وفتح القدير للشوكاني، 3/470، وتفسير السعدي، 5/326.
([5]) انظر: تفسير البغوي 3/468، وأمثال القرآن لابن القيم ص21، وفتح القدير للشوكاني 4/204.
([6]) انظر: تفسير البغوي 4/78، وابن كثير 4/52، والتفسير القيم، لابن القيم، ص423، وفتح القدير للشوكاني 4/462، وتفسير السعدي 6/468، وتفسير الجزائري 4/43.
([7]) انظر: تفسير البغوي 1/59، 3/72، وابن كثير 3/451، 4/149، والشوكاني 1/60، 4/420، والسعدي 1/69، 6/161، 7/21، وأضواء البيان للشنقيطي 3/225-253.
([8]) انظر: فتح القدير 3/154، 3/110، وأضواء البيان 3/253.
([9]) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 9/352، 354، 337-382، 1/35-37، وتفسير البغوي 3/241، 316، وابن كثير 3/255، 176، وفتح القدير للشوكاني، 3/402، 496، وتفسير عبد الرحمن السعدي، 5/220، 374، وأيسر التفاسير لأبي بكر جابر الجزائري 3/99، ومناهج الجدل في القرآن الكريم للدكتور زاهر بن عواض الألمعي ص 158-161.
([10]) انظر: تفسير ابن كثير 2/83، 219، 277، 417، 3/47، 211، 310، وتفسير السعدي 2/327، 420، 3/290، 451 ،5/279 ، 457 ،6/153 ،و أضواء البيان للشنقيطي ، 2/482، 3/101، 322، 598، 5/44، 6/268.
([11]) انظر: تفسير ابن كثير 3/48، وتفسير السعدي 4/291.
([12]) انظر: تفسير ابن كثير 3/37، وتفسير السعدي 6/274.
([13]) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص724.
([14]) انظر: تفسير البغوي 1/237، 3/71، 2/88، 372، وابن كثير 1/309، 2/572، 3/42، 2/127، 435، 570، 1/344، 2/138، وتفسير السعدي 1/313، 7/686، 2/381، 3/397، 4/204، 6/364، 1/356، 2/372، وأضواء البيان 2/187، 3/271.