ما معنى وسائل الشرك ؟


الشيخ / هاني حلمي

 
عاشرًا : ما معنى وسائل الشرك ؟

 


أن وسائل الشرك التي توصل إليه: هي كل وسيلة وذريعة تكون طريقًا إلى الشرك الأكبر، ومن الوسائل التي لم تذكر هنا: تصوير ذوات الأرواح، والوفاء بالنذر في مكان يُعبد فيه صنم أو يقام فيه عيد من أعياد الجاهلية، وغير ذلك من الوسائل([1]).

 


حادي عشر : اذكر بعضًا من أسباب ووسائل الشرك ؟
حذر النبي صلّى الله عليه وسلّم عن كل ما يوصل إلى الشرك ويسبب وقوعه، وبين ذلك بيانًا واضحًا، ومن ذلك على سبيل الإيجاز ما يأتي:

 
(1) الغلو في الصالحين :
فقد كان الناس منذ أُهبِطَ آدم صلّى الله عليه وسلّم إلى الأرض على الإسلام .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام"([2]).
وبعد ذلك تعلق الناس بالصالحين، ودبَّ الشرك في الأرض، فبعث الله نوحًا صلّى الله عليه وسلّم يدعو إلى عبادة الله وحده، وينهى عن عبادة ما سواه([3])، وردّ عليه قومه: {وَقَالُواْ لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[ نوح : 23 ]

 


وهذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تُعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسِيَ العلم عُبِدت ٍٍ ٍ([4]).
وهذا سببه الغلو في الصالحين؛ فإن الشيطان يدعو إلى الغلو في الصالحين وإلى عبادة القبور، ويُلقي في قلوب الناس أن البناء والعكوف عليها من محبة أهلها من الأنبياء والصالحين، وأن الدعاء عندها مستجاب، ثم ينقلهم من هذه المرتبة إلى الدعاء بها والإقسام على الله بها، وشأن الله أعظم من أن يُسأل بأحد من خلقه، فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم إلى دعاء صاحب القبر وعبادته وسؤاله الشفاعة من دون الله، واتخاذ قبره وثنًا تعلق عليه الستور، ويطاف به، ويستلم ويقبل، ويذبح عنده، ثم ينقلهم من ذلك إلى مرتبة رابعة: وهي دعاء الناس إلى عبادته واتخاذه عيدًا، ثم ينقلهم إلى أن من نهى عن ذلك فقد تَنَقَّصَ أهل هذه الرتب العالية من الأنبياء والصالحين، وعند ذلك يغضبون([5]).

 


ولهذا حذّر الله عباده من الغلو في الدين، والإفراط بالتعظيم بالقول أو الفعل أو الاعتقاد، ورفع المخلوق عن منزلته التي أنزله الله تعالى، كما قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ}[ النساء : 171]

 

 


(2) الإفراط في المدح والتجاوز فيه، والغلو في الدين:
حذّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الإطراء فقال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله"([6])، وقال صلّى الله عليه وسلّم: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"([7]).

 


(3) بناء المساجد على القبور، وتصوير الصور فيها:
حذَّر صلّى الله عليه وسلّم عن اتخاذ المساجد على القبور، وعن اتخاذها مساجد؛ لأن عبادة الله عند قبور الصالحين وسيلة إلى عبادتهم؛ ولهذا لَمَا ذكرت أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كنيسة في الحبشة فيها تصاوير قال: "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة"([8]).
ومن حرص النبي صلّى الله عليه وسلّم على أمته أنه عندما نزل به الموت قال: "لَعْنَةُ الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا([9]).
وقال قبل أن يموت بخمس: "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"([10]).

 


(4) اتخاذ القبور مساجد:
حذّر صلّى الله عليه وسلّم أمته عن اتخاذ قبره وثنًا يُعبد من دون الله، ومن باب أولى غيره من الخلق، فقال: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"([11]).

 


(5) إسراج القبور وزيارة النساء لها:
حذر صلّى الله عليه وسلّم عن إسراج القبور؛ لأن البناء عليها، وإسراجها، وتجصيصها والكتابة عليها، واتخاذ المساجد عليها من وسائل الشرك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج"([12]).

 


(6) الجلوس على القبور والصلاة إليها:
لم يترك صلّى الله عليه وسلّم بابًا من أبواب الشرك التي تُوصِّل إليه إلا سده([13])، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها"([14]).

 


 
(7) اتخاذ القبور عيدًا، وهجر الصلاة في البيوت :
بيّن صلّى الله عليه وسلّم أن القبور ليست مواضع للصلاة، وأن من صلى عليه وسلم فستبلغه صلاته سواء كان بعيدًا عن قبره أو قريبًا، فلا حاجة لاتخاذ قبره عيدًا: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم"([15]).
وقال صلّى الله عليه وسلّم: "إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام"([16]).
فإذا كان قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم أفضل قبر على وجه الأرض وقد نهى عن اتخاذه عيدًا، فغيره أولى بالنهي كائنًا من كان([17]).

 


(8) الصور وبناء القباب على القبور:
كان صلّى الله عليه وسلّم يطهر الأرض من وسائل الشرك، فيبعث بعض أصحابه إلى هدم القباب المشرفة على القبور، وطمس الصور، فعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ "ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته"([18]).

 
 
(9) شدّ الرّحال إلى غير المساجد الثلاثة:
وكما سدّ صلّى الله عليه وسلّم كل باب يوصّل إلى الشرك فقد حمى التوحيد عما يقرب منه ويخالطه من الشرك وأسبابه، فقال صلّى الله عليه وسلّم: "لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى"([19]).
فدخل في هذا النهي شدّ الرحال لزيارة القبور والمشاهد، وهو الذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا عندما ذهب أبو هريرة رضي الله عنه إلى الطور، فلقيه بصرة بن أبي بصرة الغفاري: فقال: من أين جئت؟ قال: من الطور. فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت إليه، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد…"([20]).
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد اتفق الأئمة على أنه لو نذر أن يسافر إلى قبره صلّى الله عليه وسلّم أو غيره من الأنبياء والصالحين لم يكن عليه أن يوفي بنذره، بل ينهى عن ذلك"([21]).

 

 


(10) الزيارة البدعية للقبور من وسائل الشرك؛ لأن زيارة القبور نوعان:
النوع الأول: زيارة شرعية يقصد بها السلام عليهم والدعاء لهم، كما يقصد الصلاة على أحدهم إذا مات صلاة الجنازة، ولتذكر الموت – بشرط عدم شدِّ الرِّحال – ولاتباع سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم.

 
النوع الثاني: زيارة شركية وبدعية([22])، وهذا النوع ثلاثة أنواع:
أ ـ  من يسأل الميت حاجته، وهؤلاء من جنس عُبَّاد الأصنام.
ب ـ من يسأل الله تعالى بالميت، كمن يقول: أتوسل إليك بنبيك، أو بحق الشيخ فلان، وهذا من البدع المحدثة في الإسلام، ولا يصل إلى الشرك الأكبر، فهو لا يُخرج عن الإسلام كما يُخرِج الأول.
ج ـ  من يظنّ أن الدعاء عند القبور مُستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد، وهذا من المنكرات بالإجماع([23]).

 

--------------------------------------------------

([1])  انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، للعلامة الدكتور صالح الفوزان، ص54-70، 113-152.
([2])  أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب التاريخ، 2/546، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 1/101، وعزاه إلى البخاري، وانظر: فتح الباري 6/372.
([3])  انظر: البداية والنهاية لابن كثير 1/106.
([4])  البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة نوح، 8/667، برقم 4920.
([5])  انظر: تفسير الطبري 29/62، وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص246.
([6])  البخاري مع الفتح بلفظه، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ...}، 6/478، 12/144، وانظر: شرحه في الفتح 12/149.
([7])  النسائي، كتاب مناسك الحج، باب التقاط الحصى 5/260، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي 2/1008، وأحمد 1/347.
([8])  البخاري مع الفتح، كتاب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد 1/523، 3/208، 7/187، وأخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور 1/375.
([9])  البخاري مع الفتح، كتاب الصلاة، باب: حدثنا أبو اليمان 1/532، 3/200، 6/494، 7/186، 8/140، 10/277، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها 1/337.
([10])  مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور 1/377.
([11])  الموطأ للإمام مالك، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب جامع الصلاة 1/172، وهو عنده مرسل، ولفظ أحمد 2/246: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا، ولعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وأبو نعيم في الحلية 7/317، وانظر: فتح المجيد ص150.
([12])  النسائي، كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور 4/94، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور 3/218، والترمذي، كتاب الصلاة، باب كراهية أن يتخذ على القبر مسجدًا 2/136، وابن ماجه في الجنائز، باب النهي عن زيارة النساء للقبور 1/502، وأحمد 1/229، 287، 324، 2/337، 3/442، 443، والحاكم 1/374، وانظر ما نقله صاحب فتح المجيد في تصحيح الحديث عن ابن تيمية ص276.
([13])  انظر: فتح المجيد ص281.
([14])  مسلم، كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه 2/668.
([15])  أبو داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور، 2/218 بإسناد حسن، وأحمد 2/357، وانظر: صحيح سنن أبي داود 1/383.
([16])  النسائي في السهو، باب السلام على النبي صلّى الله عليه وسلّم 3/43، وأحمد 1/452، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم برقم 21، ص24، وسنده صحيح.
([17])  انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية لعبد الرحمن بن قاسم 6/165-174.
([18])  مسلم، كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر 2/666.
([19])  البخاري مع الفتح، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة 3/63، ومسلم بلفظه، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره 2/976.
([20])  النسائي، كتاب الجمعة، باب الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة 3/114، ومالك في الموطأ، كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة 1/109، وأحمد في المسند 6/7، 397، وانظر: فتح المجيد ص289، وصحيح النسائي 1/309.
([21])  انظر: فتاوى ابن تيمية 1/234.
([22])  انظر: فتاوى ابن تيمية 1/233، والبداية والنهاية 14/123.
([23])  انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية 6/165-174.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ ما معنى وسائل الشرك ؟

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day