مستوى مدهش من المعلومات
ربما يتساءل البعض منكم الآن: ما هو بالتحديد هذا" المستوى المدهش من المعلومات" والذي أتحدث عنه، هذا الموضوع واسع بذاته والذي قد يملأ مجلدات، ومن ثم فإنه سيترتب علينا أن نضيف كل الحجج والحجج المضادة، ما سيملأ مجلدات أخرى! هناك بعض القراءات الموصى بها وبعض المواقع الإلكترونية في نهاية هذا الكتاب إن كنت مهتماً بالبحث بصورة أعمق، ولكني هنا سأقوم باختيار بعض الأمور التي أجدها شخصياً مدهشة ومقنعة.
الأول متعلق بالأحداث التاريخية. حاول العديد من النصارى اتهام النبي محمد بمحاولة نسخ واستخدام الإنجيل، وهذا اتهام سخيف جداً، لعدة أسباب،
أحدها: أنه لا يوجد إنجيل باللغة العربية في ذلك الوقت، وحتى لو كان موجوداً فإن محمداً لم يكن ليستطيع قراءته. هناك العديد من الأقوام المذكورين في القرآن هم أيضاً مذكورون في الأنجيل، وهذا يعود لأنهم في الغالب أنبياء ورسل من الله، ولأن القرآن هو آخر تنزيل من الله فإنه يقدم حياتهم كـأمثلة جديرة بالذكر لإلهام وتحفيز المؤمنين في مستقبلهم.
وليس غريباً أن يذكر إبراهيم، بما أن العرب يعتبرونه أباهم من خلال ابنه إسماعيل، كما أنه من المصطلحات الإنجيلية المستخدمة لوصف العرب هو الإسماعيليون، لأنهم ينحدرون من نسله، وعلى أي حال فإن ما قد يبدو غريباً وصعباً على التفسير هو الكم المتعلق بموسى في القرآن. التفسير البسيط لهذا بالطبع: هو أن التحديات والصعوبات التي واجهها محمداً كانت تشابه ما مر به موسى، لذا فتجربة موسى كانت مرشدة ومفيدة وملهمة لخاتم الأنبياء.
هناك تفصيلان مدهشان دقيقان معبران مأخوذان من قصص القرآن.
الأول: من المثير للانتباه أن يوسف(ابن إسرائيل أو يعقوب) مذكور أيضاً في القرآن هكذا، لم يشر أبداً إلى حاكم مصر في ذلك الوقت بأنه فرعون، بل وصفه بأنه ملك، في حين أن موسى كان واضحاً أنه يتعامل مع فرعون، والإنجيل يصف كلا الحاكمين بالفرعون، وقد يظن البعض أنها ليست مشكلة كبيرة، إلا أننا عندما نحاول أن نحدد مكان يوسف في التاريخ، نجد أن السلالة الحاكمة لمصر في ذلك الوقت كانوا في الواقع هم الهكسوس، وكانوا من الساميين الذين لم يستخدموا لقب فرعون الذي كان يستخدمه المصريون الأصليون لحاكمهم، أما في عهد موسى فكان الحاكم مصرياً أصلياً، والذي كان قد حل محل الهكسوس وبدأ بقمع بني إسرائيل،
فلو كان محمد قد نسخ الإنجيل فلِمَ لم ينسخ هذا الخطأ التاريخي، ومن أين حصل على هذه المعلومات الدقيقة؟ فلم يكن هناك جامعات بأقسام تدرس العلوم المصرية في ذلك الوقت، وعلم قراءة الهيروغليفية كان علماً مفقوداً منذ مئات السنين قبل ذلك، ولم يعرف مجدداً إلا بعد ذلك بألف عام عند اكتشاف حجر رشيد. هذا ما يجعل التفصيل الثاني مدهشاً أكثر.
يحكي القرآن قصة موسى وكيف أنه ذهب إلى فرعون ودعاه للإيمان، بدأ فرعون يسأل موسى عن ربه الذي لا يُرى فوق السماوات، وكان فرعون يظن نفسه إلهاً، وكان يظن أنه يستطيع أن يتحكم بالآلهة بواسطة السحر، فقال لأحد رجاله بكل تكبر:"وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا " (غافر:36-37).
دار الكثير من الجدل حول ذكر هامان هذا هنا، والزعم أن محمداً قد نسخ القصص من الإنجيل، وخلط الأمور ببعضها البعض. فهناك هامان في الإنجيل في سفر إستر، وهو الكتاب الذي يعتبر مشكوكاً بصحته أساساً، وهو يضع شخصية هامان في وقت لاحق في بلاد الفرس كوزير في محكمة أحشورش، وعلى أي حال فإنه لا يوجد سجلات تاريخية منفصلة تشير إلى وجود هذه الشخصية في بلاد الفرس، وفي الواقع إن علماء الإنجيل عرفوا شخصية هامان على أنه رب العيلامية هامان، أو أنه همايون الفارسي ما يعنى اللامع، أو في الاسم الفارسي أوانس.
وعلى العكس تماماً نحن المسلمون- بخلاف آراء المجادلين النصارى الساخرة- نقول إن هامان وجد في مصر القديمة، وهذا الوصف يطابق الحقيقة تماماً.
كان الدكتور موريس بوكاي أحد أوائل الأشخاص الذين درسوا اسم هامان من وجهة نظر العلوم المصرية Egyptology، وخمًّن إنه بما أن هامان قد ذكر في القرآن في عهد موسى في مصر، فأفضل ما يمكن فعله هو سؤال مختص في مجال اللغة المصرية القديمة كالهيروغليفية بما يخص اسمه، يروي بوكاي مناقشة مثيرة للاهتمام جرت بينه وبين عالم مصريات فرنسي بارز:
"في كتاب تدبرات في القرآن أشرت إلى نتيجة الاستشارة التي تعود إلى اثنى عشر عاماً مضت ودفعتني إلى أن أسأل خبيراً يكون - إضافته إلى معرفته اللغة العربية الأصلية - أيضاً أحد أبرز علماء المصريات الفرنسيين، وباستكماله هذه الشروط كان كريماً بإجابته على هذا السؤال.
أريته كلمة "هامان" التي نسختها تماماً كما وجدت في القرآن، وأخبرته أن هذه الكلمة مستخرجة من نص يعود إلى القرن السابع بعد الميلاد، و أن هذا النص يتعلق بشخص كان متصلاً بالتاريخ المصري. قال لى إنه في هذه الحالة سيقوم برؤية الترجمة الحرفية لهذه الكلمة بالهيروغليفية، ولكن بالنسبة له فلا شك أنه من المستحيل أن يحتوى نص يعود للقرن السابع بعد الميلاد على اسم هيروغليفي، لأنه في ذلك الوقت كانت الهيروغليفية منسية تماماً.
ولأجل أن نؤكد هذا الاستنباط عن الاسم، نصحني أن أستشير معجم رانك الخاص بالأسماء في المملكة الحديثة، حيث يمكن أن أجد الاسم مكتوباً بالهيروغليفية كما كتبه هو من قبلي، والترجمة الحرفية باللغة الألمانية.
فاكتشف كل ما كان مفترضاً من قبل الخبير، وعلاوة على ذلك كنت مذهولاً عندما قرأت عمل هامان(رئيس العمال في مقالع الحجارة)، وهو مطابق لما يمكن استنتاجه من القرآن عبر كلمات فرعون عندما طلب منه بناء الصرح.
عندما عدت مجدداً إلى الخبير مع نسخة مصورة مما وجدته في المعجم بخصوص هامان، وأريته إحدى صفحات القرآن حيث يمكنه أن يقرأ الاسم، كان عاجزاً عن الكلام…
علاوة على ذلك، ذكر رانك كمرجع، كتاباً نشر في عام 1960 بواسطة عالم المصريات والتر ريزينسكي:"ذكر الأخير إن الاسم هامان كان محفوراً على حجر شاهد قبر محفوظ في متحف هوف في فيينا(النمسا). وبعد عدة سنوات عندما تمكنت من قراءة اختصاص هامان بالهيروغليفية على ذلك الحجر، لاحظت أن التعريف الذي رافق الاسم قد شدد على العلاقة الحميمية مع فرعون".
وهذا ما أسميه بـ"المستوى المدهش من المعلومات"!