مما يورثه اليقين: الهدى والفلاح في الدنيا والآخرة
* الأمر الثاني مما يورثه اليقين: هو الهدى والفلاح في الدنيا والآخرة[زاد المعاد 4/215]: ومعلوم أن الفلاح هو تحصيل المطلوب، والنجاة من المرهوب،
ولهذا قال الله عز وجل عن المؤمنين:
" وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ[4]أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[5]"
[سورة البقرة].
وقد جاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه-مرفوعا- فيما أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان والبخاري في الأدب المفرد- قال:
[سَلُوا اللَّهَ الْيَقِينَ وَ الْمُعَافَاةَ فَمَا أُوتِيَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ أَفْضَلَ مِنْ الْعَافِيَةِ].
يقول ابن القيم رحمه الله في 'زاد المعاد': لا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقين يدفع عنه عقوبات الآخرة، والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا من قلبه وبدنه'[ انظر: مدارج السالكين 2/397] .
ويقول شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، مبيناً لطيفة تتعلق بآية من كتاب الله عز وجل، فالله عز وجل يقول:
" إن الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ[22]عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ[23]تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ[24]يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ[25]خِتَامُهُ مِسْكٌ [26] "
[سورة المطففين].
أي أن آخره يكون بطعم المسك، وقال:
" وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ[27]عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ[28]"
[سورة المطففين].
فالتسنيم هي عين يشرب بها المقربون من عباد الله عز وجل في الجنة، وأولئك الأبرار يشربون من شرابٍ من خمرٍ ممزوجة مخلوطة بالتسنيم، وليست تسنيماً صافياً خالصاً، يقول شيخ الإسلام:'وذكر سبحانه أن شراب الأبرار يُمزج من شراب عباده المقربين؛ لأنهم مزجوا أعمالهم..، ويشربه المقربون صِرْفاً خالصاً كما أخلصوا أعمالهم، وجعل سبحانه شراب المقربين من الكافور الذي فيه من التبريد والقوة ما يناسب برد اليقين وقوته؛ لما حصل لقلوبهم، ووصل إليها في الدنيا، مع ما في ذلك من مقابلته للسعير- ويشير إلى قوله تبارك وتعالى:
" إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا[5]"
[سورة الإنسان]
. فالجزاء من جنس العمل، فلما حصل لهم برد اليقين حصل لهم أيضاً برد هذا الشراب من الكافور في الجنة' [دقائق التفسير 3/22].