من الفروق بين الخالق والمخلوق
(1)وبين الخالق تعالى والمخلوق من الفروق ما لا يخفى على من له أدنى بصيرة.
1-(منها) أن الرب تعالى غني بنفسه عما سواه، ويمتنع أن يكون مفتقراً إلى غيره بوجه من الوجوه، والملوك وسادة العبيد محتاجون إلى غيرهم حاجة ضرورية.
2- و (منها) أن الرب تعالى وإن كان يحب الأعمال الصالحة ويرضى ويفرح بتوبة التائبين فهو الذي يخلق ذلك وييسره فلم يحصل ما يحبه ويرضاه إلا بقدرته ومشيئته. وهذا ظاهر على مذهب أهل السنة والجماعة الذين يقرون بأن الله هو المنعم على عباده بالإيمان، بخلاف القدرية. والمخلوق قد يحصل له ما يحبه بفعل غيره.
3- و (منها) أن الرب تعالى أمر العباد بما يصلحهم ونهاهم عما يفسدهم كما قال قتادة: إن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليهم، ولا ينهاهم عما نهاهم عنه بخلاً عليهم، بل أمرهم بما ينفعهم ونهاهم عما يضر بهم. بخلاف المخلوق الذي يأمر غيره بما يحتاج إليه وينهاه عما ينهاه بخلاً عليه. وهذا أيضاً ظاهر على مذهب السلف وأهل السنة الذين يثبتون حكمته ورحمته ويقولون: إنه لم يأمر العباد إلا بخير ينفعهم، ولم ينههم إلا عن شر يضرهم، بخلاف المجبرة الذين يقولون: إنه قد يأمرهم بما يضرهم وينهاهم عما ينفعهم.
4- و (منها) أنه سبحانه هو المنعم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وهو المنعم بالقدرة والحواس وغير ذلك مما به يحصل العلم والعمل الصالح، وهو الهادي لعباده، فلا حول ولا قوة إلا به. ولهذا قال أهل الجنة
"الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ"
([2])
وليس يقدر المخلوق على شيء من ذلك.
5-و (منها) أن نعمه على عباده أعظم من أن تحصى، فلو قدر أن العبادة جزاء النعمة لم تقم العبادة بشكر قليل منها، فكيف والعبادة من نعمته أيضاً.
6- و (منها) أن العباد لا يزالون مقصرين محتاجين إلى عفوه ومغفرته، فلن يدخل أحد الجنة بعمله، وما من أحد إلا وله ذنوب يحتاج فيها إلى مغفرة الله لها:
"وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ"
([3])
وقوله صلى الله عليه وسلم :
"لن يدخل أحد الجنة بعمله"
([4])
لا يناقض قوله تعالى:
"جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"
([5])
فإن المنفي نفي بباء المقابلة والمعاوضة كما يقال بعث هذا بهذا، وما أثبت أثبت بباء السبب، فالعمل لا يقابل الجزاء وإن كان سبباً للجزاء، ولهذا من ظن أنه قام بما يجب عليه وأنه لا يحتاج إلى مغفرة الرب تعالى وعفوه فهو ضال،
كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل"وروي "بمغفرته"
([6])
ومن هذا أيضاً الحديث في السنن
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم. ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيراً من أعمالهم" الحديث
([7])
.
المراجع
- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/216 ، 217.
- سورة الأعراف آية 43.
- سورة فاطر آية 45.
- رواه البخاري ومسلم.
- سورة الواقعة آية 24.
- رواه البخاري ومسلم.
- رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وصححه الألباني.