من يتفطن لمثل هذه المعاني ؟
بكى محمد بن الحسن عند الاحتضار ، فقيل له : أتبكي مع العلم ؟ فقال : أرأيت إن أوقفني الله و قال يا محمد ما أقدمك الرّي الجهاد في سبيلي أم ابتغاء مرضاتي ، ماذا أقول ؟
لاحظ يُحاسب نفسه على سفرة إلى بلد لم يكن له فيها نية ، و يبكي عند الموت و يقول ماذا أقول يا ربي ، مع أنّ الله لن يحاسبه على ذلك ، يجوز للإنسان أن يتقلب في البلاد و يسافر في الأمور المشروعة أو الأمور المباحة .
و من أعجب أخبارهم أنّ عبد الرحمن ابن مهدي رحمه الله الإمام المعروف ، كان يجلس يوم الجمعة إلى سارية و يتحدث ، يُحدّث الناس ، يفقههم و يعلمهم ، يقول : فإذا كثر الناس فرحت ، و إذا قلوا حزنت ، يقول فسألت بشر ابن منصور يعني ابن المعتمد ، فقال : هذا مجلس سوء فلا تعد إليه ، فما عُدت إليه .
وقع له أنّ قلبه صار يتحرك مع الحضور ، إذا كثر الناس على حلقته فرح ، و ربما يقول قائل يفرح بكثرة الخير و كثرة المستفيدين و أنّ الله ينشر الخير على يدي ، لكنّهم ما كانوا ينظرون بهذه الطريقة ، و إذا قلوا كان يحزن ، فلمّا سأل بشر ابن منصور قال له : هذا مجلس سوء فلا تعد إليه . أين نحن من هذا أيها الأخوة و الأخوات ؟
و هذا عون ابن عبد الله يقول – و انظر إلى دقتهم و شدة ملاحظتهم لهذه المعاني – يقول : إذا أعطيت المسكين شيئاً ، فقال : بارك الله فيك ، فقل : أنتَ بارك الله فيك ؛ حتى تخلص لك صدقتك ، لا يكون كافئك بقوله بارك الله فيك ، ردها عليه ، قل : أنت بارك الله فيك .
من منّا ينتبه لهذه المعاني ؟
و مرّ حمزة الزيات ( المقرئ المعروف ، إمام القراءة الإمام حمزة ) برجلٍ ، فاستسقى من هذا الرجل - طلب منه أن يسقيه - ، فلما أراد الرجل أن يأتي بالماء قال له : مهلاً ، أنتَ ممن يحضر القراءة عندنا ، أليس كذلك ؟ قال : نعم ، قال : لا حاجة لي في مائك . ما أراد أن يستعمله في قضيةٍ تافهة و هي إحضار الماء له .
و قال عبد الله بن ادريس لرجل : سل عن سعر الأشنان ( الأشنان معروف الذي يوضع للتنظف عند الاغتسال بدلاً من الصابون الذي نستعمله اليوم ) ، يقول : سل عن سعر الأشنان ، ثم قال : لا تسأل عنه ؛ فأنتَ ممن يكتب الحديث عنّي ، و أنا أكره أن اسألَ من يسمع عنّي الحديث .
أين هذا ممن لا يُقرئ حتى يُرهق كواهل هؤلاء الطلبة بحاجاته الشخصية ؟! يذهبون به إلى السوق ، يشترون له أغراضه ، يحضرونها إلى منزله ، و لربما صنعوا له طعامه ، و هذا الأمر ليس من المبالغة يا إخوان ، هذا أمرٌ موجود أُحدّث عن أشياء أعرفها ، يُخرج قيمة هذه القراءة ، أَتُريد ما عند الله عز وجل ؟ أين هذا ممن لا يُقرئ إلا بمبلغ مالي يشترطه على القراءة ، أو على الختمة أو على الإجازة ؟ أين البذل في سبيل الله لإرادة وجه الله تعالى وحده لا شريك له .
و كان محمد بن يوسف الأصبهاني لا يشتري خبزه من خباز واحد ، يقول : " لعلهم يعرفونني بعد ذلك ، فتقع منهم المحاباة لي ، فأكون ممن يعيش بدينه " . خبّاز ّ ما يذهب إلى خباز واحد ! كل مرة عند خباز آخر .
و دخل عبد الله ابن محيريز حانوتاً – دخلَ دكاناً - أراد أن يشتري ثوباً ، فقال رجلٌ قد عرفه ، قال : هذا ابن محيريز فاحسِن بيعه ، يعني يقول عليكَ أن تراعيه في البيع ، ما فرح و قال بارك الله فيك ، جزاك الله خير ، لا خير في أمةٍ لا تعرف لعلمائها قدرهم ، لا ، غضب و طرحَ الثوب و خرج ، و قال : إنمّا نشتري بأموالنا لسنا نشتري بديننا .