نعمة الصلاة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. (هكذا صلى الأنبياء) هذا هو عنوان هذا الدرس، ورقمه واحد وسبعون، وهو ينعقد هذه الليلة بـالرياض في ليلة الإثنين العاشر من شهر ربيع الأول من سنة ألف وأربعمائة وثلاث عشرة للهجرة. لقد سبق أن تحدثت تحت عنوان: هكذا عَلَّمَ الأنبياء، وكان حديثاً عن دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إلى ماذا دعو، وبماذا أمروا، وكيف ووجهوا، وماذا كانت عاقبة دعوتهم وعاقبة من ناوأهم وحاربهم، أما اليوم فنحن ننتقل إلى أعظم عمل بعد التوحيد كلف به الأنبياء، وهو الصلاة، فإنها من خير أعمالكم، وهي خير موضوع كما قال: النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلهذا لا غرابة أن يخصص لها حديث، ويدندن حولها المتكلمون، لأنها معراج للقلب والروح إلى بارئها جل وعلا. أولاً تمهيد: إن من عظيم نعمته تعالى وهو الأحد الصمد، أن يجود في عليائه على ذلك العبد الفقير، فيبسط يده إليه، ويأذن له بذكره وشكره وعبادته وسؤاله، كما قال الله تعالى: أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36] فإن مجرد إذنه لنا بأن نذكره وندعوه هو نعمة عظمى، فكيف وقد أمرنا بذلك وأوجبه علينا وجعل لنا عليه الأجر العظيم؟! إنه سبحانه يفتح أبوابه لعباده دون أن يجعل بينهم وبينه وسيطاً: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] وهما دعاءان: الأول: دعاء عبادة، كالصلاة والقرآن والذكر والتسبيح، فهذا دعاء عبادة له تعالى. أما الدعاء الثاني فهو: دعاء مسألة، أي أن تسأل الله تعالى وترجوه فيما تريد وتحب من خير الدنيا والآخرة. وذكره تعالى هو في حقيقته دعاء، لأنك إن أثنيت عليه تعالى بأسمائه وصفاته، فأنت تتعرض له بالسؤال، فإذا قلت اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، فكأنك تقول: اللهم لا مانع لما أعطيت فأعطني، ولا معطي لما منعت، فلا تمنع عني فضلك، ولا تحرمني بذنوبي، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، فأغنني بفضلك يا رب عمن سواك. أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحباءُ إذا أثنى عليك العبد يوماً كفاه من تعرضه الثناءُ إنه ينـزل في ثلث الليل الآخر، فيقول لعباده: هل من سائل؟ هل من داع؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ لا تسألن بني آدم حاجةً وسل الذي أبوابه لا تحجبُ الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يغضبُ : {يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة} اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وصلنا ولا تقطعنا، وجد علينا بكريم نوالك وتتابع إفضالك، اللهم خذ بأيدينا إلى ما تحب وترضى، اللهم زَكِّ أقوالنا وأعمالنا، وعقولنا وقلوبنا، واهدنا ويسر الهدى لنا، اللهم لو عذبتنا لفعلت وأنت غير ظالم لنا، ولو رحمتنا كانت رحمتك خيراً من أعمالنا، فيا من لا يعاجل بالعقوبة، ألهمنا حسن التوبة إليك، وجميل التوكل عليك، وعظيم الزلفى لديك، نحن بك وإليك، تباركت وتعاليت. اللهم إنا نناجيك بقلوب أرهقتها الذنوب، وندعوك وقد علمت ما فرط منا مما وسعه حلمك، وستره عفوك، وغمره برك، فيا أهل المغفرة اغفر لنا، ويا أهل التقوى استعملنا في طاعتك، ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، سبحانك وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك