هل أنت عبدٌ أراد الله به خيرًا؟!
الحمد لله التواب الرحيم، الغفور الكريم، والصلاة والسلام على الرسول العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فسبحانه من إله!
عقوبته لهم رحمةً منه بهم! فلعلَّهم يرجعون ويتوبون وينيبون، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!
ولذلك فالمؤمن يقظ الإحساس، حيّ القلب، متوقد الشعور، يطيع الله تعالى وهو من عذابه خائف، ومن رد عمله عليه مشفق.
أما المنافق والظالم لنفسه فلا يلوي على شيء، يستمر في غيِّه، ويستمر في طغيانه، ويتمادى في عصيانه، ويتمنى على الله الأماني، فقد جمع بين عدم العمل وطول الأمل، فكان من المفلسين، وهو مع ذلك فرح بدنياه التي انكبَّ عليها، منشغل بماله الذي جمعه ومنعه، فرح بحياته المستقرَّة، مبتهج بأنه في عيش رغيد، ومال وفير، ورزق كثير، دنياه تتزين له بكل مبهجة، فاشتغل بها عن الغاية من خلقه، والسبب في وجوده، قد اعتقد أن عدم نزول العقوبات عليه لكرامته على ربه، أو لعدم وجود العذاب والعقاب في يوم الحساب، فكان من المستدرجين من رب العالمين، فإن الله تعالى عجَّل له من متاع الدنيا الدنيئة لحقارتها على ربها، ليدَّخر له العذاب الكامل والعقاب المتواصل في يوم الندامة.
قال تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55].
فلا تغتر بالدنيا، ولا تشتغل بجمعها، ولا تفرح بها، ثم لا تأسى إذا نزلت بك من الملمات والكربات والنكبات ما يمحصك الله به، ويطهر صحيفتك بنزوله عليك، فإن الله تعالى من رحمته بعبده المؤمن إذا هو عصاه أن يعجل له عقوبته في الدنيا ليحميه منها في الآخرة، وإن كان الفرق شاسع والبون واسع بين العقوبتين والعذابين، فعذاب الدنيا تنزل معه من الرحمات والبركات والصبر ما يهون به العذاب، وما يصغر به العقاب، أما عذاب الآخرة فلا طاقة للعبد به، ولا احتمال له عليه.
فهل أنت عبدٌ أراد الله به خيرًا؟!
فعن عبد الله بن المغفل: أنّ رجلًا لقي امرأة كانت بغيًَّا في الجاهلية، فجعل يلاعبها؛ حتى بسطَ يده إليها، فقالت: مه؟! فإنَّ الله قد اذهب الشركَ وجاء بالإسلام، فتركها وولى، فجعل يلتفت خلفه، وينظرُ إليها، حتى أصابَ وجهُهُ حائطًا، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم والدمُ يسيلُ على وجهه ،فأخبره بالأمرِ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أنتَ عبدٌ أراد اللهُ بك خيرًا»، ثمَّ قال: «إنَّ اللهَ جلَّ وعلا إذا أراد بعبدٍ خيرًا عجَّل عقوبةَ ذنبِه، وإذا أراد بعبدٍ شرًّا أمسَك عليه ذنبَه حتَّى يوافيَ يومَ القيامةِ كأنَّه عائرٌ» وهو جبل عظيم بالمدينة (صحيح ابن حبان؛ برقم: [2911]).
فيا من ألم بالذنب، ووقع في الخطيئة وكلنا ذلك الرجل لقد آن لك أن تتوب، وإلى الله تؤوب، فتتطهَّر من الذنوب، وتتبرأ من العيوب، فإن علام الغيوب يناديك، ويفتح لك أبواب التوبة والرجوع إليه، والتطهر من الذنوب قبل أن توافيه بها، فيعاقبك عليها.
فهيا! قم لتغتسل بماء الوضوء ولتنغمس في نهر الصلاة، وأعقب كل ذنب بتوبة، واخلف كل خطيئة بالاستغفار. فقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف:201].
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِن عبدٍ يذنبُ ذنبًا، فيُحسنُ الطُّهورَ، ثمَّ يقومُ فيُصلِّي رَكْعتينِ، ثمَّ يستغفِرُ اللَّهَ، إلَّا غفرَ اللَّهُ لَهُ» (صحيح سنن أبي داود؛ برقم: [1521]).
فالرجوع.. الرجوع قبل وقوع العذاب في يوم الحساب، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا وا لهف نفسي من غدٍ! حساب ولا عمل!