هل العالم خـُلق صدفة ؟


محمد الغزالي

المقال مترجم الى : English Français


نشوء حياتنا هذه ودوامها يقومان على جملة ضخمة من القوانين الدقيقة يحكم العقل باستحالة وجودها هكذا جزافاً !!

 

فوضع الأرض أمام الشمس مثلا .. ثم على مسافة معينة لو نقصت –بحيث ازداد قربها من الشمس- لاحترقت أنواع الأحياء من نبات وحيوان. ولو بعدت المسافة لعم الجليد والصقيع وجه الأرض، وهلك كذلك الزرع والضرع.. أفتظن إقامتها في مكانها ذاك لتنعم بحرارة مناسبة جاء خبط عشواء؟ وحركة المد والجزر التي ترتبط بالقمر!! أفما كان من الممكن أن يقترب القمر من أمه أكثر، فيسحب أمواج المحيطات سحبا يغطي به وجه اليابسة كلها، ثم ينحسر عنها وقد تلاشى كل شيء؟ من الذي أقام القمر على هذا المدى المحدود ليكون مصدر ضوء لا مصدر هلاك؟

 

إننا على سطح هذه الأرض نستنشق "الأكسجين" لنحيا به ونطرد "الكربون" الناشئ من احتراق الطعام في جسومنا. وكان ينبغي أن يستفيد الأحياء – وما أكثرهم- هذا العنصر الثمين في الهواء، فهم لا ينقطعون عن التنفس أبدا. لكن الذي يقع أن النبات الأخضر يأخذ "الكربون" ويعطي بدله "أوكسجين" وبهذه المعاوضة الغريبة يبقى التوازن في طبيعة الغلاف الهوائي الذي يحيا في جوفه اللطيف الحيوان والنبات جميعا!! أفتحسب هذا التوافق حدث من تلقاء نفسه؟! إني أحيانا اسرح الطرف في زهرة مخططة بعشرات الألوان. التقطها بأصابع عابثة من بين مئات الأزهار الطالعة في إحدى الحدائق..
ثم اسأل نفسي: بأي ريشة نسقت هذه الألوان؟ إنها ليست ألوان الطيف وحدها. إنها مزيج رائق ساحر من الألوان التي تبدو هنا محففة، وهنا مظللة، وهنا مخططة، وهنا منقطة..

وانظر إلى أسفل، إلى التراب الاعفر الذي اطلع على هذه الألوان انه –بيقين- ليس راسم هذه الألوان ولا موزع أصباغها.

 

هل الصدفة هي التي اشرفت على ذلك؟ أي صدفة؟ إن المرء يكون غبيا جدا عندما يتصور الأمور على هذا النحو.. وألوان الزهرة هذه ملاحظة شكلية ساذجة بالنسبة إلى ملاحظة قصة الحياة في أدنى صورها. إن إنشاء الحياة في اصغر خلية يتطلب نظاما بالغ الأحكام. ومن الحمق تصور الفوضى قادرة على خلق "جزيء" في جسم دودة حقيرة؛ فضلا عن خلق جهازها الهضمي أو العصبي. فما بالك بخلق هذا الإنسان الرائع البنيان الهائل الكيان. ثم ما بالك بخلق ذلكم العالم الرحب..؟؟

 

لماذا يطلب مني –إذا رأيت ثويا مخيطا أنيقا- أن أتصور خيطا قد دخل من تلقاء نفسه في ثقب إبرة، اشتبكت من تلقاء نفسها في نسيج الثوب، أو أخذت تعلو وتهبط صانعة الصدر والذيل والوسط والأكمام والأزرار والفتحات والزركشة والمحاسن إلخ.
إن إحالة الأمور على المصادفات ضرب من الدجل العلمي يرفضه أولو الألباب. لنفرض أن الآلة الكاتب في احد الدواوين وجدت بجوارها ورقة مكتوب عليها اسم عمر ماذا يعني هذا..؟

 

أحد أمرين: اقربهما إلى البداهة وهو أن خبيرا في الكتابة طبع الاسم على الورقة. والأمر الثاني: أن حروف الاسم تجمعت وترتبت وتلاقت هكذا جزافا.
إن الفرض الأخير معناه من الناحية العلمية ما يأتي:
الابتداء بكتابة العين، أو سقوط حرفها وحده على الورقة دون وعي يجوز بنسبة 1 إلى 28 – وهو عدد حروف الهجاء العربية-. وسقوط حرفي العين والميم يجوز بنسبة 1 إلى 28 × 28 ونزول الحروف الثلاثة بعوامل الصدفة المحضة يجوز بنسبة 1 إلى 28 × 28 × 28 أي بنسبة 1 إلى 21952..
وليس أغبى فكرا ممن يترك الفرض الوحيد المعقول ويؤثر عليه فرضا آخر لا يتصور وقوعه إلا مرة بين اثنتين وعشرين ألف مرة..
والصدف حين تخط على القرطاس كلمة عمر اقرب إلى الذهن من تصور الصدف هذه تخلق قطرة ماء في المحيطات الغامرة، أو حبة رمل في الصحاري الشاسعة..
إن العلم بريء من مزاعم الإلحاد، ومضاد لما يرسل من أحكام بلهاء..
===================
عقيدة المسلم

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ هل العالم خـُلق صدفة ؟

  • إلى كل ملحد ينكر وجود الله تعالى.. اقرأ

    صفاء بنت محمد الخالدي

    دل على وجوده تعالى: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس. 1- أما الفطرة على وجوده: فإن كل مخلوق قد فطر على

    10/12/2012 11902
  • معنى جمالية الدين

    الشيخ / فريد الأنصاري

    وعندما نقول هنا جمالية الدين فإننا نعني أن الله عز وجل الذي جعل الدين جميلاً، فَصَد أن يكون التدين جميلاً أيضا،

    11/07/2018 2819
  • الله الذي جعل الدين جميلاً

    الشيخ/ فريد الأنصاري

    وعندما نقول هنا جمالية الدين فإننا نعني أن الله عز وجل الذي جعل الدين جميلاً، فَصَد أن يكون التدين جميلاً أيضا،

    27/08/2018 1544
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day