و إذا نظرنا إلى صدقاتهم نجد عجباً !
علي بن الحسين زين العابدين كان يحمل الصدقات و الجُربْ من الطعام ، إذا كان الليل يحمل ذلك على ظهره ، و يُوصل ذلك إلى بيوت الأرامل و الفقراء في المدينة ، و لا يعلمون من وضعها ، و كان لا يستعين بخادمٍ و لا عبدٍ و لا غير ذلك لئلا يطلع عليه أحد ، و بقي على ذلك سنوات طويلة ، و ما كان الناس من الفقراء و الأرامل يعلمون كيف يأتيهم هذا الطعام و النفقات ، و لما مات وجدوا في ظهره آثاراً للسواد ، فعلموا أنّ ذلك بسبب ما كان يحمله على ظهره من الأحمال من الطعام التي يوصلها إلى هؤلاء الفقراء ، و عرف الفقراء و الأرامل و الأيتام من الذي كان يوصل إليهم الصدقات ، فما انقطعت صدقة السر في المدينة في ذلك الوقت حتى مات علي بن الحسين زين العابدين رحمه الله تعالى .
و أما إخفائهم للتأثر و البكاء و إخفاء العبرات فأمرٌ يَعجَبُ منه السامع أو الناظر !
أيوب السختياني إمامٌ كبير من أئمة التابعين و عابد من عبّادهم ، جمع بين العلم و العبادة و الزهد ، ربما حدث بالحديث فيرق ، فيلتفت فيمتخط و يقول : ما أشدّ الزكام ؛ ليوهم السامعين أنّ هذه الدموع أو أنّ هذا الذي عرض له إنّما هو بسبب الزكام لا بسبب الخشوع و البكاء من خشية الله عز وجل ، أين هذا ممن يتصنع البكاء أمام الناس في أماكن حافلة بالمصلين ، لا أقول يبكي يغلبه البكاء ، فمن غلبه البكاء فأمره إلى الله و يحاول أن يُدافع ذلك بحيث لا تسمع له صوت ، و يكون ذلك في قلبه ، لكن إذا غلبه البكاء فسمع الناس بكائه فهو غير ملوم ، و لكن أن يتباكى ، يتكلف البكاء في صلاته ، في قراءته أمام الناس ، فهذا أمرٌ مذموم .
الإنسان لا يستطيع أيها الإخوان و هو في الأحوال العادية أن يضبط نفسه في جميع الأحوال ، أن يضبط الخطرات و السكنات و جميع إرادات القلب إلا بصعوبة بالغة ، فكيف إذا كان يتصنع مثل هذه الأشياء و إن كان يقصد بها وجه الله عز وجل ؟! تصنع البكاء ، التباكي من أجل تحصيل البكاء يكون حينما يكون الإنسان بين
أربعة جدران لا يراه إلا الله عز وجل ، فإن لم يحضر له البكاء و الخشوع يتباكى من أجل أن يبكي ، أما أن يكون هذا أمام جموع الخلائق ، أمام الآف المصلين ، فهذا أمرٌ لا يليق البتة ، و لا يحسُن بالإنسان أن يفعله .
يقول الحسن البصري رحمه الله : " إن كان الرجل ليجلس في المجلس فتجيء عبرته فيردها ، فإذا خشيَ أن تسبقه قام ". لا يريد أن يراه الناس و هو يكفكف دموعه .
و أما محمد ابن واسع رحمه الله فكان يقول : إن كان الرجل ليبكي 20 سنه و امرأته معه لا تعلم ! ، و أظنّه يعني نفسه ، من اِطلع منكم على سيرة محمد ابن واسع رحمه الله يري عجباً ، كأنّها ترجمة إنسان ليس فيه إرادات و شهوات و نزوات و غرائز ، آيةٌ في العبادة و الزهد و التقوى و الورع و الخوف من الله عز وجل .
أما شقيق ابن سلمة رحمه الله فكان يصلي في بيته و ينشج نشيجاً ، لو جُعلت له الدنيا على أن يفعله و أحدٌ يراه ما فعله ، و وقف رجل يصلي في المسجد ، فسجد و جعل يبكي بكاء شديداً ، فجاء إليه صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه ، فقال له : أنت أنت .. لو كان هذا في بيتك ! ، يعني أنت الرجل الجيد ، أنت الرجل التقي لو كان هذا في بيتك ، أنت أنت .. لو كان هذا في بيتك .