أولًا: أقوال بعض الصحابة والتابعين في اسم الله (الآخر):
1- قال ابن عباس: {الآخر}: هو الحي الباقي الدائم يكون بعد كل حي أماته. [تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، ينسب: لعبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - (المتوفى: 68هـ) 1/456].
ثانيًا: أقوال بعض المفسرين في تفسير اسم الله (الآخر):
1- قال الطبري: {الآخر}: الآخر بعد كل شيء بغير نهاية، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها. [تفسير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، 23/168].
2- قال الماوردي: {الآخر}: يريد بالآخر أنه بعد كل شيء لبقائه، الآخر في ختامه بالإحسان، الآخر بعد كل مختوم. (تفسير الماوردي - النكت والعيون، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)، 5/ 469].
3- قال فخر الدين الرازي: {الآخر}: أما البحث عن كونه آخرا، فمن الناس من قال: هذا محال، لأنه تعالى إنما يكون آخر الكل ما عداه، لو بقي هو مع عدم كل ما عداه لكن عدم ما عداه إنما يكون بعده وجوده، وتلك البعدية، زمانية، فإذن لا يمكن فرض عدم كل عداه إلا مع وجود الزمان الذي به تتحقق تلك البعدية، فإذن حال ما فرض عدم كل ما عداه، أن لا يعدم كل ما عداه، فهذا خلف، فإذن فرض بقائه مع عدم كل ما عداه محال.
وهذه الشبهة مبنية أيضا على أن التقدم والتأخر لا يتقرران إلا بالزمان، وقد دللنا على فساد هذه المقدمة فبطلت هذه الشبهة.
وأما الذين سلموا إمكان عدم كل ما عداه مع بقائه، فمنهم من أوجب ذلك حتى يتقرر كونه تعالى آخرا للكل، وهذا مذهب جهم، فإنه زعم أنه سبحانه يوصل الثواب إلى أهل الثواب، ويوصل العقاب إلى أهل العقاب، ثم يفني الجنة وأهلها، والنار وأهلها، والعرش والكرسي والملك والفلك، ولا يبقى مع الله شيء أصلا، فكما أنه كان موجودا في الأزل ولا شيء يبقى موجودا في اللايزال أبد الآباد ولا شيء.
واحتج عليه بوجوه أولها: قوله هو الآخر، يكون آخرا إلا عند فناء الكل وثانيها: أنه تعالى إما أن يكون عالما بعدد حركات أهل الجنة والنار، أو لا يكون عالما بها، فإن كان عالما بها كان عالما بكميتها، وكل ماله عدد معين فهو متناه، فإذن حركات أهل الجنة متناهية، فإذن لا بد وأن يحصل بعدها عدم أبدي غير منقض وإذا لم يكن عالما بها كان جاهلا بها والجهل على الله محال وثالثها: أن الحوادث المستقبلة قابلة للزيادة والنقصان، وكل ما كان كذلك فهو متناه والجواب: أن إمكان استمرار هذه الأشياء حاصل إلى الأبد، والدليل عليه هو أن هذه الماهيات لو زالت إمكاناتها، لزم أن ينقلب الممكن لذاته ممتنعا لذاته، ولو انقلبت قدرة الله من صلاحية التأثير إلى امتناع التأثير، لانقلبت الماهيات وذلك محال، فوجب أن يبقى هذا الإمكان أبدا. فإذن ثبت أنه يجب انتهاء هذه المحدثات إلى العدم الصرف، أما التمسك بالآية فسنذكر الجواب عنه بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
وأما الشبهة الثانية: فجوابها أنه يعلم أنه ليس لها عدد معين، وهذا لا يكون جهلا، إنما الجهل أن يكون له عدد معين ولا يعلمه، أما إذا لم يكن له عدد معين وأنت تعلمه على الوجه فهذا لا يكون جهلا بل علما.
وأما الشبهة الثالثة: فجوابها أن الخارج منه إلى الوجود أبدا لا يكون متناهيا، ثم إن المتكلمين لما أثبتوا إمكان بقاء العالم أبدا عولوا في بقاء الجنة والنار أبدا، على إجماع المسلمين وظواهر الآيات، ولا يخفى تقريرها.
وأما جمهور المسلمين الذين سلموا بقاء الجنة والنار أبدا، فقد اختلفوا في معنى كونه تعالى آخرا على وجوه أحدها: أنه تعالى يفني جميع العالم والممكنات فيتحقق كونه آخرا، ثم إنه يوجدها ويبقيها أبدا وثانيها: أن الموجود الذي يصح في العقل أن يكون آخرا لكل الأشياء ليس إلا هو، فلما كانت صحة آخرية كل الأشياء مختصة به سبحانه، لا جرم وصف بكونه آخرا وثالثها: أن الوجود منه تعالى يبتدئ، ولا يزال ينزل وينزل حتى ينتهي إلى الموجود الأخير، الذي كون هو مسببا لكل ما عداه، ولا يكون سببا لشيء آخر، فبهذا الاعتبار يكون الحق سبحانه أولا، ثم إذا انتهى أخذ يترقى من هذا الموجود الأخير درجة فدرجة حتى ينتهي إلى آخر الترقي، فهناك وجود الحق سبحانه، فهو سبحانه أول في نزول الوجود منه إلى الممكنات، آخر عند الصعود من الممكنات إليه ورابعها: أنه يميت الخلق ويبقى بعدهم، فهو سبحانه آخر بهذا الاعتبار وخامسها: أنه أول في الوجود وآخر في الاستدلال، لأن المقصود من جميع الاستدلالات معرفة الصانع، وأما سائر الاستدلالات التي لا يراد منها معرفة الصانع فهي حقيرة خسيسة. [مفاتيح الغيب - التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، 29/446– 447].
4- قال البيضاوي: {الآخر}: الباقي بعد فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها. [أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفى: 685هـ)، 5/185].
5- قال ابن كثير: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}: وهذه الآية هي المشار إليها في حديث العرباض بن سارية: أنها أفضل من ألف آية. [تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، 7/6].
6- قال الثعالبي: {الآخر}: الدائم الذي ليس له نهاية منقضية، قال أبو بكر الوراق: هو الأول: بالأزلية والآخر: بالأبدية. [تفسير الثعالبي، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي (المتوفى: 875هـ)، 5/377].
7- قال جلال الدين المحلي والسيوطي: {الآخر}: بعد كل شيء بلا نهاية. [تفسير الجلالين، جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (المتوفى: 864هـ) وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (المتوفى: 911هـ)، 1/718].
8- قال الآلوسي: {الآخر}: الباقي بعد فنائها حقيقة أو نظرا إلى ذاتها مع قطع النظر عن مبقيها فإن جميع الموجودات الممكنة إذا قطع النظر عن علتها فهي فانية. [روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ) 14/166].
ثالثًا: أقوال بعض أهل العقيدة في اسم الله (الآخر):
1- قال ابن منده: ومعنى الآخر هو الآخر الذي لا يزال آخرا دائما باقيا الوارث لكل شيء بديموميته وبقائه. [التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد لابن منده، أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مَنْدَه العبدي (المتوفى: 395هـ) 2/81]
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فهو تبارك وتعالى نور السماوات والأرض، كما أخبرعن نفسه وله وجه ونفس وغير ذلك مما وصف به نفسه، ويسمع ويرى ويتكلم، الآخر الباقي إلى غير نهاية ولا شيء بعده. [الفتوى الحموية الكبرى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ)، 1/360].
3- وقال ابن القيم رحمه الله: آخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه، وآخريته بقاؤه بعد كل شيء ، فكل آخر انتهى إِلى آخريته، وما من آخر إلا والله بعده فالآخر دوامه وبقاؤه، فبقى بعد كل شيء بآخريته ، فالأول والآخر والظاهر والباطن هذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد، فهو الأوَّل في آخريَّتِه، والآخر في أوليَّتِه، والظاهر في بطونه، والباطن في ظهوره، لم يزل أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وهي أركان العلم والمعرفة, فحقيق بالعبد أن يبلغ في معرفتها إلى حيث ينتهي به قواه وفهمه. [طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم 1/24].