1- الله سبحانه يحب العفو فنسأله ما يحبه:
أنه سبحانه يحب صفاته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنك عفو تحب العفو" وقال: "إن الله جميل يحب الجمال"، "وإن الله نظيف يحب النظافة"، "وإن الله وتر يحب الوتر"، "وإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا" وروي " إني عليم أحب كل عليم " فيندب أن نسأله ما يحبه, لحديث « سلوا الله العفو والعافية والمعافاة، فما أوتي أحد بعد يقين خيرا من معافاة» [الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة لابن القيم بتصرف، 4/ 1458 – 1459].
فندعوا بقول الله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286].
2- العفو عن المخطىء والمسيء من مكارم الأخلاق:
تعددت أساليب القرآن الكريم في الترغيب في العفو والحث عليه والندب إليه، ما بين طلب وتحضيض وترغيب.
قال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22] {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40].
وللعفو ثلاث مراتب، وهي:
أولًا: ترك المعاقبة: من قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة:13].
ثانيًا: الصفح: منه قوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85]، {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22].
ثالثًا: الإحسان: ومنه قول الله عز وجل: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].
3- عفو الزوج عما له من حقوق لدى زوجته، وعفو الزوجة عما لها من حقوق لدى زوجها:
قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]
4- عفو الرجل عن أولاده وزوجته أو زوجاته إذا أخطأوا في حقه:
قال تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن: 14]، { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التحريم: 3].
5- عفو السيد عن عماله وخدمه، ومن هم تحت يده:
قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].
6- العفو في مجال العقوبات وقد يصل العفو إلى العفو عن القاتل، وذلك من كرم النفس واسشعارًا للأجر:
والعفو في ذلك أنواع:
أولًا:عفو مطلق:
المقصود به عفو المجروح إن كان باقيًا، أو وارثه إن كان هالكًا عن عقوبة القصاص في القتل العمد، وما دونها من الأطراف والجروح، فيعفون عفوًا مطلقًا شاملًا، للقصاص والدية معًا، وهو ما يمكن أن نسميه العفو دون مقابل؛ لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢].
ثانيًا: عفو مقيد:
المقصود به عفو المجروح إن كان باقيًا، أو وارثه إن كان هالكًا عن عقوبة القصاص في القتل العمد، أو ما دون ذلك من الأطراف والجروح، فيعفون عفوًا مشروطًا مقيدًا بدفع الجاني أو عاقلته الدية للمجروح إن كان باقيًا أو إلى وارثه إن كان هالكًا مقابل عفوهم عن الجاني، وهو ما يمكن أن يطلق عليه العفو عن القصاص مقابل الدية؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: ١٧٨].
7- التأسي بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في العفو عند المقدرة:
قالها سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم لأهله يوم فتح مكة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» فكانت بمثابة التطبيق العملي.
كما في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وفيه: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، ولا صخابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح".
قال ابن كثير في تفسير {وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}: وقد ثبت في الصحيح «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله، وروى ابن أبي حاتم عن إبراهيم قال: كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا وكانوا إذا قدروا عفوا. [الأساس في التفسير، سعيد حوى 9/ 5106].
وهو من خصال الأنبياء فقد عفا يوسف عليه السلام عن أخوته مع القدرة على العقوبة {قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليوم يَغْفِرُ الله لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين} [يوسف: 92].
وشرطه ألا يكون ذلك العفو سببا في ازدياد الشر والبغي.
8- الاقتداء بالسلف في العفو عن المسيء:
فهذه نماذج عملية للعفو:
أولًا: عفو أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
فهذا هو أبو بكر الصديق خير الناس بعد الأنبياء، كان من قرابته مسطح بن أثاثة، وكان أبو بكر ينفق عليه، ويحسن إليه، فلمَّا خاض مسطح فيمن خاض في حادثة الإفك، حلف أبو بكر ألا يحسن إليه كما كان يحسن في السابق، فعاتبه ربُّه عز وجل وأنزل: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، فقال: بلى، أحب أن يغفر الله لي، وعاد إلى ما كان عليه من الإحسان إليه وكفَّر عن يمينه.
ثانيًا: عفو عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولًا كانوا أو شبانًا، فقال عيينة لابن أخيه: يا بن أخي، لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: هي يا بن الخطاب، فو الله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله.
ثالثًا: عفو بلال رضي الله عنه:
ووقع في يوم من الأيام بين أبي ذر رضي الله عنه وبلال رضي الله عنه خصومة، فيغضب أبو ذر وتفلَّت لسانه بكلمة يقول فيها لبلال: يا بن السوداء، فيتأثر بلال، يوم أكرمه الله بالإسلام، ويذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويشكو أبا ذرٍّ، ويستدعي النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذرٍّ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق على صحته: ((أعيَّرته بأُمِّه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية))، فيتأثر أبو ذر، ويتحسَّر ويندم، ويقول: وددت والله لو ضرب عنقي بالسيف، وما سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأخذ بلال رضي الله عنه - كما روي - ويضع خده على التراب، ويقول: ((يا بلال، ضع قدمك على خدي، لا أرفعه حتى تضعه))، فتذرف عينا بلال رضي الله عنه الدموع، ويقول: يغفر الله لك يا أبا ذرٍّ، يغفر الله لك يا أبا ذرٍّ، والله ما كنت لأضع قدمي على جبهة سجدت لله رب العالمين، ويعتنقان ويبكيان، ذهب ما في القلوب.
رابعًا: عفو ميمون بن مهران رحمه الله:
روي عن ميمون بن مهران أن جاريته جاءت ذات يوم بطبق فيها مرقة حارة، وعنده ضيوف فعثرت فصبَّت المرقة عليه، فأراد ميمون أن يضربها، فقالت الجارية: يا مولاي، استعمل قوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134]، قال لها: قد فعلت، فقالت: اعمل بما بعده {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134]، فقال: قد عفوت عنك، فقالت الجارية: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، قال ميمون: قد أحسنت إليك، فأنت حرَّة لوجه الله تعالى.
https://www.alukah.net/sharia/0/131491/
9- أن ندعوا الله باسمه (العفو) لا سيما في ليلة القدر:
عن ابْنُ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: " تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي ".
10- استشعار الآثار الدنيوية والأخروية للعفو عن الناس:
فللعفو آثار دنيوية وآثار أخروية:
فالدنيوية: سقوط القصاص، وحفظ الدماء، والتيسير والتخفيف، وإصلاح المعتدي، والتغلب على النفس، وحصول التقوى { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237]، والصلح بين المتخاصمين، ونيل محبة الله عز وجل.
والأخروية: تكفير ذنوب العافي، الأجر العظيم {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40]، عفو الله في الآخرة، نيل الحظ العظيم ودخول الجنة {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34-35].
ينظر: https://modoee.com/show-book-scroll/574