1- استشعار إحاطته تعالى بكل شيء:
قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [سبأ: 3]
2- الإيمان بالغيب:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " مفاتيح الغيب خمس، لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله " [صحيح البخاري 9/116 حديث 7379]
3- الدعاء باسم الله العالم:
فعن أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: «اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» [أخرجه مسلم 1/534 حديث 770].
وعن أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ، وَإِذَا أَمْسَيْتُ، وَإِذَا أَخَذْتُ مَضْجَعِي. قَالَ: " قُلْ: اللهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ - أَوْ قَالَ: اللهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ - رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ " [إسناده صحيح، أخرجه أحمد 1/221 حديث 52].
4- الحرص على الأعمال الصالحة فإن الله مطلع عليها عالم بها:
قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105]
5- أن يضع العبد الآخرة نصب عينيه فيعمل لها:
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة: 8]
6- أن يتيقن المؤمن دائماً أن الله عليم بما يصنعه بجوارحه، وما يعزم عليه في قرارة نفسه:
علماً يجعله دائماً نزَّاعاً للطاعات، مسارعاً إلى الخيرات، مجانباً للسيئات، مراقباً لنفسه بنفسه، وحذراً من نفسه على نفسه، فيحقق المراقبة لله - سبحانه وتعالى- وبدوام ذلك والمجاهدة عليه يترقى المؤمن من درجة الإيمان إلى مرتبة الإحسان، وهي :« أن تعبد الله كأنك تراه» رواه (البخاري) رقم (50)، و(مسلم) رقم (9)، من حديث (أبي هريرة) - رضي الله عنه .
وفي لفظ (لمسلم) :«أن تخشى الله كأنك تراه » رواه (مسلم) رقم (10)، من حديث (أبي هريرة) - رضي الله عنه- لأن هناك علاقة قوية يبرزها القرآن بين الإيمان بعلم الله، وبين الامتناع عن الإثم والفسوق والعصيان، وبين المسارعة في أعمال البر والطاعة، قال الله - سبحانه-:{ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا . يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} [النساء:107-108].
والغفلة عن هذا المعنى تجعل الإنسان يقتحم بحر الذنوب العميق، ويخوض غماره خوضَ الجسور لا خوضَ الجبان الحذور، وتجعله يتوغل في كل مظلمة، ويتهجم على كل مشأمة، فإذا بلغ علمه اليقين الجازم أن الله يطّلع على خفايا الإنسان، ويحاسبه عليها، ويجازيه حتى على نياته، ويراقبه حتى على خلجاته؛ وَرِث الهيبة من قربان حدودها، فبقدر قوة إيمان الإنسان بسعة علم الله تزداد خشيته، ويعظم ورعه، ويحسن عمله، وترتدع نفسه، وبقدر ضعف إيمانه وجهله بذلك يكثر زلـلـه، ويتوالى انحرافه، والله المستعان.
فإنّ يقين المؤمنِ بأن الله يعلم أحواله، سرها وعلنها، يحمله على التهيب من الإقدام والجرأة على حدود الله، واقتحام حرماته حياء منه - سبحانه- فالزوج الذي يتذكر هذه الرقابة الدائمة لا يخون الله ولا يخون زوجته، والمرأة المراقبة لله لا تضيع أمانة زوجها وشرفه، والأجير لا يسرق من مال صاحبه، لأن الجميع يعلمون أن الله يعلم ما في أنفسهم فيحذروه.
7- الاعتقاد بأن الله - عز وجل- علم في الأزل جميع ما هو خالق، وعلم جميع أحوال خلقه، وأرزاقهم، وآجالهم، وأعمالهم، وشقاوتهم وسعادتهم، وعلم عدد أنفاسهم ولحظاتهم، وجميع حركاتهم وسكناتهم: أين تقع؟ ومتى تقع؟ وكيف تقع؟:
كل ذلك بعلمه، وبمرأى منه و مسمع، لا تخفى عليه منهم خافية، سواءٌ في علمه الغيبُ والشهادةُ، و السرُ والجهرُ، والجليلُ والحقيرُ، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات و لا في الأرض، و لا في الدنيا و لا في الآخرة.
{إِنَّ اللَّـهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ } [آل عمران:5] { يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد:8]. فهذا الاعتقاد يورث المؤمن تعظيم الله والرضا عنه والتسليم لمقاديره حلوها ومرها.
- إن الإيمان بعلم الله يجعل الإنسان يعتدل في حياته فلا تبطره النعمة ولا تقنطه المصيبة لعلمه أن الجميع من عند الله، وأن ذلك بعلم الله ومشيئته.
8- إيمان العبد بمراتب العلم الإلهي:
أولهـا: علمه بالشيء قبل كونه، وهو سر الله في خلقه، اختص الله به عن عباده.
وهذه المرتبة من العلم هي علم التقدير ومفتاح ما سيصير، ومن هم أهل الجنة ومن هم أهل السعير؟ فكل أمور الغيب قدرها الله في الأزل، ومفتاحها عنده وحده ولم يزل، كما قال - تعالى-:
{إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [لقمان:34]، وقال - سبحانه-:{ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } [النمل:65].
ثانيـها: علمه بالشيء وهو في اللوح المحفوظ بعد كتابته وقبل إنفاذ أمره ومشيئته.
فالله - عز وجل- كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة، والمخلوقات في اللوح قبل إنشائها كلمات، وتنفيذ ما في اللوح من أحكام تضمنتها الكلمات مرهون بمشيئة الله في تحديد الأوقات التي تناسب أنواع الابتلاء في خلقه، وكل ذلك عن علمه بما في اللوح من حساب وتقدير، وكيف ومتى يتم الإبداع والتصوير؟ كما قال - تعالى -:{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ} [الحج:70]، وقال أيضا:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا}[الحديد:22].
ثالثـها: علمه بالشيء حال كونه وتنفيذه ووقت خلقه وتصنيعه، كما قال :{اللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ . عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:9،8]، وقال - تعالى -: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۚ وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ } [سبأ:2].
رابعـها: علمه بالشيء بعد كونه وتخليقه، وإحاطته بالفعل بعد كسبه وتحقيقه.
فالله - عز وجل- بعد أن ذكر مراتب العلم السابقة في قوله - تعالى-:{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام:59]، ذكر بعدها المرتبة الأخيرة فقال:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الأنعام:60]، وقال أيضا:{ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ۖ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } [قّ:4]، وقال:{ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } [التوبة: 78][2].