العلاج بالروائح
تعتبر خلاصة النباتات أو عصارة النباتات وكذلك الدهون المستخلصة من تلك النباتات مصدرا للحصول على المواد العطرية. وهذه المواد العطرية تستخدم كعلاج منذ آلاف السنين. ويرجع سبب هذا الاستخدام إلى التأثيرات المختلفة للعطور على الإنسان. والأبحاث العلمية التي أجريت حديثا في مجال ما يسمى بالـ"EEG" أو إلكتروأنفالوغراف، أي تحديد الإشارات الكهربائية المخية بواسطة أقطاب خاصة أثبتت أن بعض العطور تؤدي إلى حصول تغييرات في الإشارات المخية في الإتجاه الذي توقعه العلماء والباحثون 59. واستنشاق هذه العطور يؤدي إلى تحفيز بعض أجزاء المخ غير المحددة إلى حد الآن، ونتيجة لذلك يطرأ تغيير على بعض الفعاليات الحيوية الجسمية مثل ضربات القلب وضغط الدم وإيقاع التنفس ومستوى الذاكرة وتغير مستوى التوتر النفسي للفرد، وكذلك حدوث تغير في إفراز الهرمونات60.
ولكن من أين للنباتات أن تحدد هوية العطور المؤثرة على الفعاليات الحيوية لجسم الإنسان؟ كيف تسنى لهذه النباتات أن تمتلك مختبرات متقدمة معقدة للغاية والتي تحتوي على أكثر من 500 جزئية كيمياوية مختلفة61؟ كيف تستطيع هذه النباتات أن تفرز روائح بالتراكيز المناسبة والملائمة لجهاز شمي لا تعلم عنه أي شيء؟ كيف تستطيع هذه النباتات أن تحدد نسبة التركيز المثلى لحاسة شمّ الإسان؟ ولو تناولنا الأمر من جانب آخر لظهرت أمامنا الأسئلة التالية: كيف استطاعت حاسة الشم لدى الإنسان اكتساب قدرة التمييز بين الآلاف من الروائح المختلفة؟ كيف يتسنى للخلايا الشمية المستقبلة أن تميز بين جزئيات الروائح المختلفة دون أن تعلم عنها أي شيء، بل ومن المرة الأولى مباشرة؟
كيف استطاعت البروتينات والخلايا والأعصاب اللاشعورية أن تنشأ تلك التراكيب المتكاملة التي بواسطتها تستطيع تمييز الروائح المختلفة التي تنتجها النباتات؟
إنّ الجواب على تلك الأسئلة السابقة لا يدع مجالا للشك أبدا بأن الذي خلق النباتات وأكسبها المقدرة على إنتاج تلك العطور، والذي خلق أجهزة الشم لتمييز تلك العطور بهذا الشكل الباهر، والذي جعل من تلك العطور شفاء للإنسان هو الله الخالق المصور فتبارك الله أحسن الخالقين. وقد ورد في القرآن الكريم أن هذه العطور و الروائح ليست سوى جزء ضئيل جدا من نعم الله التي لا تحصى:
(وَالأَرضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ فِيهَا فَاكِهَةُ والنّخل ذات الأَكمَامِ وَالحَبّ ذُو العَصفِ وَالرّيحَان، فَبِأَيّ آلاَءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ) سورة الرحمان- الآيات 10-13.
ويرشد القرآن الكريم الإنسان أيضا إلى كيفية استقباله لهذه النعم وما ينبغي عليه أن يعمله إزاءها فيقول تعالى:
(قُل هُوَ الذِي أَنشَأكُم وَ جَعَلَ لَكُم السّمعَ وَالأَبصَارَ وَ الأَفئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشكُرُونَ) سورة الملك- الآية 23.