سبل معرفة الله تعالى
يرشد الإسلام إلى ترك البحث عن ماهية (كنه وجوهر) ذات الله وحقيقتها وكيفيتها، فهي من الأمور التي يجب على الإنسان عدم الخوض فيها أو الانشغال بها. معرفة الله في هذه الحياة ستكون دون إدراك ذاته؛ ولا سبيل إليها إلا كما أراد هو سبحانه، بالطريقة التي اختارها لتتم معرفته بها ومحبته وعبادته، وهي: معرفة الأسماء والصفات التي وصف الله جل وعلا بها نفسه في كتابه العزيز، ومن خلال التأمل في آثار قدرته وعجائب صنعه في الكون.
صفات الله عز وجل
· وفقًا للإسلام، الله عز وجل ليس إله بعيد، صامت، غير مكترث بالخلق. تظهر هذه الحقيقة بقوة ووضوح في جميع أرجاء القرآن الكريم، على سبيل المثال، يقول الله تعالى في القرآن الكريم أنه قريب جدًا من كل إنسان في كل لحظة، أقرب إليه من حبل الوريد الذي في عنقه:
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
(ق 50: 16)
يعلم ما تخفيه نفسه من أسرار وما يظهره من أقوال وأفعال، لا يخفى عليه من أمره شيء:
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ
(النمل 27: 74)
يسمع كلامه ويرى جميع أحواله، ليس بغافل عن فرد من خلقه – فليطمئن:
لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ
(طه 20: 46)
فهو دائمًا قريب، يسمع ويرى، يجيب دعوة أي داعٍ دعاه ويجيب دعوة المضطر ولو كان عاصيَا، ولو كان مذنبًا، ولو كان كافرًا، ما دام قد التجأ إليه، ووقف ببابه، واعتمد عليه:
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
(البقرة 2: 186)
وقد أوكل تعالى بكل نفس من يحفظها ويحرسها من ملائكته ليلا ونهارًا :
إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ
(الطارق 86: 4)
يصف الله تبارك وتعالى نفسه في القرآن الكريم بالعديد من الأسماء الحسنى والصفات العلا ليعرِّف بها نفسه إلى خلقه، منها: الواحد، الأحد، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، القوي، المجيب.
- يستطيع البشر إدراك أسماء الله وصفاته الحسنى وفهمها؛ فلديهم القدرة – بشكل ما – على الشعور بتلك الصفات، كما يمتلكون قدرًا منها بدرجات متفاوتة بينهم، على نحو يناسب طاقتهم البشرية وطبيعتهم المحدودة الفانية، لكن الله وحده هو من يمتلكها بشكل مطلق وكامل. وتشمل هذه الصفات: السمع، والبصر، والرحمة، والصبر، والعدل وغيرها من الصفات التي نُسِجت في كيانهم؛ فهي مألوفة لديهم، يسهل عليهم إدراكها وممارستها تلقائيًّا. ويمكنهم التعرف على جلال أسماء وصفات الله تعالى وجمالها وكمالها، مستعينين بالقدر المحدود الذي لديهم من تلك الصفات كوحدة تقدير.
- يستطيع البشر من خلال معرفة الأسماء الحسنى إدراك الله ووجوده. فكل اسم وصفة لله تلامس وترًا خاصًّا داخل نفس الإنسان، وتوقظ وعيًا جديدًا، وتلبي احتياجًا مختلفًا، وتنشأ عاطفة متفردة، وتسمح بعلاقة وثيقة ومستمرة بين الإنسان وربه عز وجل.
- يحث الله تعالى البشر في آية قرآنية كريمة أن يدعوه ويسألوه حوائجهم بأسمائه الحسنى، وهو قوله تعالى: كالغفور لطلب المغفرة والشافي لطلب الشفاء – مع تخير الاسم الذي يناسب المسألة وموضوع الدعاء.
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا.﴾
(الأعراف 7: 180)
بصمات الخالق
- لا يحتاج البشر - ولا ينبغي لهم - البحث عن معجزات أو ظواهر خارقة للطبيعة للوصول إلى الله عز وجل. فقط يحتاجون إلى النظر داخل أنفسهم، في تكوينهم الطبيعي، والنظر حولهم، في أرجاء عالمهم الطبيعي، لاكتشاف الله سبحانه وتعالى.
- الساعة تدل على وجود صانع ساعات. هذا في الجمادات، ويصبح الدليل أقوى بالنسبة للمخلوقات الحية، من أضخم كواكب المجموعة الشمسية إلى أدق الكائنات المجهرية، فتصميمها أكثر براعةً وتعقيدًا. بالمثل أيضًا، هذا العالم يدل على صانع صنعه؛ وهو الله جل وعلا.
- يتجلى إعجاز الله الخالق عز وجل وإبداعه في أصغر مخلوقاته وأدقها تمامًا كما في أكبرها وأكثرها ضخامةً؛ في تكوين النملة الصغيرة كما في بنيان الفيل الكبير، في التركيب المعقد للخلايا الدقيقة كما في تشكيل المجرات والمجموعة الشمسية، في الشقوق العميقة المتعرجة تحت البحار كما في الأنهار المتدفقة وقمم الجبال الشاهقة، وفي تغريد الطيور كما في دوي الرعد.
- يقف هذا الكون الفسيح، في حركته الدائمة من الامتلاء والفراغ من الكائنات الحية، كدلالة هائلة وكافية على عظمة خالقه، ويضع بين الأيدي كتابًا ضخم الصفحات، لا ينضب ولا يتوقف عن وصف مؤلفه الوحيد؛ الله جل جلاله. القرآن في مئات الآيات لا يدعو فقط، بل يحث على فتح الأبصار والأسماع والعقول لهذا الكون والتأمل في عجائبه لمعرفة خالقه.
- تقول إحدى آيات القرآن التي تحفز على النظر في هذا الكون العجيب
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.﴾
(البقرة 2: 164)
- الاقتناع الفكري هو أهم ما يميز البشر عن سائر المخلوقات؛ لذا يخاطب القرآن الكريم العقل باستمرار، وآياته مليئة بالأفعال التي تحث وتحفز كل إنسان على اكتساب المعرفة باستخدام عقله وحواسه وقدراته في عملية مستمرة من الملاحظة اليقظة والدقيقة. تتضمن الأفعال التي وردت في القرآن الكريم للحث على التأمل والسعي وراء المعرفة؛ التفكر كما في قوله تعالى:والتدبر:
﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ...﴾
(البقرة 2: 266)
، والتبصر:﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ...﴾
(محمد 47: 24)
والتذكر:﴿أَفَلَا يُبْصِرُونَ ...﴾
(السجدة 32: 27)
والتفقه:﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ...﴾
(إبراهيم 14: 25)
والتعقل:﴿لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ...﴾
(الأنعام 6: 65)
والنظر:﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ ...﴾
(يس 36: 68)
، والاعتبار:﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ ...﴾
(الغاشية 88: 17)
والتوسم:﴿وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ...﴾
(الأعراف 7: 174)
والتيقن:﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ...﴾
(الحجر 15: 75)
والعلم﴿لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ...﴾
(الجاثية 45: 20)
﴿... وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.﴾
(الأنعام 6: 105)
﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ﴾
(الأعراف 7: 185)
"أَوَلَمْ يَنظُرُواْ"؛ أي: نظر استدلال: "فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ" من الشمس والقمر والنجوم والسحاب.
"وَالأَرْضِ" أي: وفي ملكوت الأرض، من البحار والجبال والدواب والشجر.
"وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ"؛ أي: وفيما خلق الله مما يقع عليه اسم الشيء، من أجناس لا يحصرها العدد، ولا يحيط بها الوصف.
تفسير القاسمي (محاسن التأويل)
يذكر القرآن بأن المخلوقات تتحدث عن خالقها وموجدها. على الرغم من أن رؤية الله غير ممكنة في الحياة الدنيا، إلا أن وجوده وآثار صفاته تتجلى في مصنوعاته.
﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾
(الرعد 13 :4)