دور العلم
• يدور العلم، في الأساس، حول استكشاف وفهم العالم الطبيعي من حولنا عن طريق الملاحظة وإجراء التجارب. يوجد في هذا الكون حقائق متنوعة لا حصر لها، تقع في متناول الحواس الخمس المعروفة أو بعيدًا عنها. ومن خلال اكتساب العلم والمعرفة واستمرارية التعلم يستطيع البشر تنمية مداركهم، ومهاراتهم، وقدراتهم، والاستفادة من تلك المعارف والخبرات في الارتقاء بمعيشتهم وتيسير حياتهم.
• العلم ليس مجرد مجموعة من الحقائق الثابتة فحسب، ولكنه دفق متواصل ومتجدد ومتغير باستمرار. العلم مجال مفتوح دائمًا لنظريات وتفسيرات واكتشافات جديدة، تتبدل من وقت لآخر، أو يتم تصحيحها، أو دحضها بنظريات أخرى أكثر موثوقية وحداثة ودقة تحل محل القديمة، أو تعدلها، أو تكملها. الحقيقة في العلم ليست نهائية أبدًا.
• فقط لأن العلم بإمكانه أن يفسر العديد من المسائل غير المعروفة هذا لا يعني أنه يمكن أن يفسر كل شيء. هناك المسائل المتعلقة بالقيم، والأخلاق، والحقوق، والواجبات، والمعاني، والغايات كلها تقع خارج نطاق العلم.
• الصواب والخطأ لا يأتي من الفيزياء، أو الكيمياء، أو البيولوجيا، أو الرياضيات. العلم لا يعلمنا أن نعامل جيراننا كما نحب أن نُعامَل، أو يرشدنا إلى كساء العُراة وإطعام الجائعين، أو لماذا من الخطأ أن نقتل، أو نسرق، أو نظلم، أو نُدلي بشهادة زور، أو نجرح مشاعر الآخرين؟ العلم صامت عن كل هذه المواضيع.
«أنا مندهش للغاية من أن الصورة التي يقدمها العلم عن العالم الواقعي من حولي ناقصة بشدة. إنه (أي العلم الطبيعي) يعطينا الكثير من المعلومات الحقيقة، ويضع كل خبراتنا وفق ترتيب متسق بشكل رائع، ولكنه صامت صمتًا مروعًا إزاء كل ما هو قريب فعلًا إلى قلوبنا، والذي يهمنا حقًّا. إنه (أي العلم الطبيعي) لا ينطق بكلمة عن الأحمر والأزرق، المر والحلو، الألم واللذة، إنه لا يعرف شيئًا عن الجميل والقبيح، عن الحسن والسيئ، عن الله والخلود». الفيزيائي النمساوي إرفين شرودنجر (Erwin Schrödinger) الحائز على جائزة نوبل وأحد مؤسسي ميكانيكا الكم.
الدين والعلم - علاقة تكامل لا تصادم
1. الصراع بين العلم والدين أمر غير متصوَّر في الإسلام؛ فالدين مصدره الله عز وجل، وكذلك الكون بكل أجزائه وقوانينه وظواهره وتعقيداته؛ لذلك لا يمكن أن يكون هناك تناقض بين الدين الحق والعلم الدقيق؛ لأن مصدرهما واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، وكلاهما عنصران مكملان لبعضهما البعض في مهمة واحدة؛ هي: شرح الحقيقة؛ حيث يقوم بذلك الدين من خلال الوحي الإلهي، والعلم من خلال البحث العلمي وجمع الدلائل والمعلومات.
2. تتجلى هوية الإسلام بوصفه دين علم ومعرفة وإعمال للعقل من خلال أول كلمة قرآنية أنزلها الله تبارك وتعالى لهداية البشر:
﴿اقْرَأْ﴾
(العلق 96: 1)
الأمر الجازم الحازم بالقراءة والحث على تعلمها وتعليمها، حيث الزيادة في قوة الإيمان مع تنمية الفهم والمدارك هو ما يرفع الإنسان ويعلي شأنه. يقول القرآن على وجه التحديد:
﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.﴾
(المجادلة 58: 11)
3. ليس في القرآن كله أمر بالدعاء بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم:
﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا.﴾
(طه 20: 114)
وهناك الكثير من الآيات المبثوثة في جميع أنحاء كتاب الله العزيز تحث البشر مرارًا وتكرارًا على النظر في الخلق والتدبر في شؤون الكون. فالعلم، وفقًا لجوهر الإسلام ورسالته، ليس مسألة تشجيع فحسب، بل هو واجب على كل فرد مسلم كما أخبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ"
(رواه ابن ماجه)
4. العلم والدين ينتميان إلى عالمين مختلفين تمامًا، يكمل بعضهما البعض، ولا يتصادمان؛ لعدم وجود تداخل بين المساحات التي يشغلها كلٌّ منهما. وكلاهما له نفس الأهمية في مجال العلم والمعرفة. البشر مُكوَّنون من جسد وروح؛ فهم كائنات جسدية وروحية معًا. العلم يتعامل مع الجانب المادي من عالمهم (الحقائق، والأرقام، والبيانات، والمعادلات)، بينما يتعامل الدين مع الجانب الروحي (المعتقدات، والأخلاق، والمبادئ، والقيم المعنوية، والمثل العليا، والمعاني السامية).
5. كل من العلم والدين يعلمان البشر حقائق كثيرة عن أنفسهم وعن عالمهم الذي يعيشون فيه، وغالبًا ما يكون ذلك بطرق متكاملة ومتداخلة فيما بينهما. العلم يضيف إلى الإيمان، والإيمان يضيف إلى العلم، كما يجمع بينهما مصالح متبادلة ومساهمات هامة يقدمها كل منهما للآخر.
6. في هذا الإطار، يُمثِّل كل اكتشاف علمي جديد خطوة إلى الأمام في المعارف الإنسانية، وخطوة أخرى إلى الأمام في إجلال وتقدير قدرة الخالق المدهشة. فكلما تعرَّفَ البشر على أسرار الكون وتكوين الجسد البشري، كلما ازداد شعورهم بالمهابة والرهبة من عظمة الله جل وعلا.
"العلم نفسه لا يتعارض مع فرضية وجود الله، بل يمنحنا نافذة على عالم ديناميكي (حركي) وخلَّاق، يزيد تقديرنا للإله بطرق لم يكن من الممكن تخيلها في العصور الماضية". كينيث ميلر (Kenneth Miller) – عالم الأحياء الخلوي والأحياء الجزيئية الأمريكي