صلاة الجماعة


حسان بن سالم عيد

 

مِنَ القُرآنِ الكرِيم:

1) ]وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً. وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا. فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ. إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا[ ([1]).

 

حِذْرَهُمْ : احترازهم واستعدادهم.

 تَغْفُلُونَ : تسهون.

 

فَيَمِيلُونَ  : يهجمون ويغيرون.

 جُنَاحَ  : إثم

 

اطْمَأْنَنْتُمْ  : استقررتم.

 كِتَابًا مَوْقُوتًا : مكتوباً محدود الأوقات مقدراً

 

 

المعنى: (وَإِذَا كُنْتَ) - يا محمد - (فِيهِمْ) في ساحة القتال، (فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) فأردت أن تصلي بهم، (فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ) جماعة (مِنْهُمْ مَعَكَ) للصلاة (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ، فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) فَإِذَا سجد هؤلاء فلتكن الجماعة الأخرى من خلفكم في مواجهة عدوكم، وتتم الجماعة الأولى ركعتهم الثانية ويسلِّمون، (وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) ثم تأتي الجماعة الأخرى التي لم تبدأ الصلاة فليأتموا بك في ركعتهم الأولى، ثم يكملوا بأنفسهم ركعتهم الثانية، وليحذروا من عدوهم، وليأخذوا أسلحتهم. (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الجاحدون لدين الله (لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ) زادكم؛ (فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً) ليحملوا عليكم حملة واحدة فيقضوا عليكم، (وَلا جُنَاحَ) إثم (عَلَيْكُمْ) حِينَئِذٍ (إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى) أو كنتم في حال مرض، (أَنْ تَضَعُوا) تتركوا (أَسْلِحَتَكُمْ)، (وَ) مع ذلك (خُذُوا حِذْرَكُمْ. إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ) الجاحدين لدينه (عَذَابًا مُهِينًا) يهينهم، ويخزيهم. (فَإِذَا قَضَيْتُمُ) أديتم (الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ) فأديموا ذكر الله في جميع أحوالكم: (قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ، فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) فَإِذَا زال الخوف (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فأدوا الصلاة كاملة، ولا تفرّطوا فيها؛ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) فإنها واجبة في أوقات معلومة في الشرع.

 

*  *  *

 

2) ]فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ[ ([2]).

 

بُيُوتٍ  : هي المساجد كلها

 تُرْفَعَ  : تُعظَّم وتُطَهَّر

 

بِالْغُدُوِّ  : أول النهار

 وَالآصَالِ  : آخر النهار

 

تَتَقَلَّبُ  : تضطرب

 بِغَيْرِ حِسَابٍ  : بتوسُّع

 

 

المعنى: هذا النور المضيء (فِي بُيُوتٍ) مساجد (أَذِنَ) أَمَرَ (اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) يرفع شأنها وبناؤها، (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) بتلاوة كتابه والتسبيح والتهليل، وغير ذلك من أنواع الذكر، (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) يصلي فيها لله في الصباح والمساء (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ) لا تشغلهم (تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) لمستحقيها، (يَخَافُونَ يَوْمًا) يوم القيامة الذي (تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ) بين الرجاء في النجاة والخوف من الهلاك، (وَ) تتقلب فيه (الأَبْصَارُ) تنظر إِلى أَيّ مصير تكون، (لِيَجْزِيَهُمُ) ليعطيهم (اللَّهُ) ثواب (أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) أحسن أعمالهم (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) بمضاعفة حسناتهم (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، بل يعطيه من الأجر ما لم يبلغه عمله، وبلا عدّ ولا كيل.

 

*  *  *

 

مِنْ سُنَّة الرسول   صلى الله عليه وسلم :

1) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه: عَنْ النَّبِيِّ   صلى الله عليه وسلم  قَالَ: تَفْضُلُ صَلاةٌ فِي الْجَمِيعِ عَلَى صَلاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، قَالَ: وَتَجْتَمِعُ مَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ]وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا[([3]).

 

 (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه) وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني تُوفِّيَ سنة 57هـ (عَنْ النَّبِيِّ   صلى الله عليه وسلم  قَالَ : تَفْضُلُ صَلاةٌ فِي الْجَمِيعِ) أَيْ: صلاة أحدكم مع الجماعة (عَلَى صَلاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ) المراد صلاته في بيته وسوقه منفرداً (خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ) ورد في روايات أخرى : بسبع وعشرين درجة ، فيحتمل على أنه أوحى إليه أولا بخمس وعشرين ثم بسبع وعشرين تفضلا من الله I حيث زاد درجتين ، أو على أن المراد في أحد الحديثين التكثير دون التحديد والله تعالى أعلم (قَالَ : وَتَجْتَمِعُ مَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : أَقِمِ الصَّلاَةَ) أمر لرسول الله   صلى الله عليه وسلم  ولأمته بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها (لِدُلُوكِ) زوال (الشَّمْسِ) ودلوك الشمس واقع على كل ميل لها ، فابتداء دلوكها إذا زالت الشمس ، وهو أول وقت الظهر ، وما بعد ذلك إذا صار ظل كل شيء مثله وهو وقت العصر إلى آخر وقتها دلوك أيضا (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) اجتماع الليل وظلمته ، ويشمل : المغرب والعشاء (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) عَطْفٌ على الصلاة ، والمراد من قرآن الفجر : صلاة الفجر ، سميت الصلاة قرآناً ؛ لأنها لا تجوز إلا بالقرآن (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) أي : تحضر الملائكة قرآن الفجر وتشهده , يعني : صلاة الفجر. فعلى هذا تكون هذه الآية دخل فيهما أوقات الصلوات الخمس : الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر . وقد بينت السنة عن رسول الله   صلى الله عليه وسلم  تواتراً من أقواله وأفعاله تفاصيل هذه الأوقات على ما عليه أهل الإسلام اليوم مما تلقوه خلفاً عن سلف وقرناً بعد قرن.

 

*  *  *

 

2) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ   صلى الله عليه وسلم : إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ. وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ([4]).

 

المعنى : (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه) وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني تُوفِّيَ سنة 57هـ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ   صلى الله عليه وسلم  فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فـ(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ   صلى الله عليه وسلم : إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ) ودل هذا على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافين , ومنه قوله تعالى ( وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى)([5]) وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما ؛ لقوة الداعي إلى تركهما ؛ لأن العشاء وقت السكون والراحة ، والصبح وقت لذة النوم (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا) أَيْ: من مزيد الفضل (لأَتَوْهُمَا) أَيْ: الصلاتين , والمراد لأتوا إلى المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد (وَلَوْ حَبْوًا) الحبو : حبو الصبي الصغير على يديه ورجليه , معناه : لو يعلمون ما فيهما من الفضل والخير ثم لم يستطيعوا الإتيان إليهما إلا حبواً لَحَبَوْا إليهما , أَيْ: يزحفون إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير ، ولم يفوتوا جماعتهما في المسجد . ففيه : الحث البليغ على حضورهما ، (وَ) أقسم بالذي نفسي بيده (لَقَدْ هَمَمْتُ) أي : عزمت أو قصدت (أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ) وَذَلِكَ ليظهر من حضر ممن لم يحضر (ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ) وإنما هَمَّ بإتيانهم بعد إقامة الصلاة؛ لأن بذلك الوقت يتحقق مخالفتهم وتخلفهم , فيتوجه اللوم عليهم (ثُمَّ أَنْطَلِقَ) أَيْ: أذهب (مَعِي بِرِجَالٍ) من أصحابي أو خدمي وغلماني (مَعَهُمْ حُزَمٌ) جمع حزمة (مِنْ حَطَبٍ) وأذهب ومعي هذا الحطب (إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ) لآخذهم على غفلة (فَأُحَرِّقَ) من التحريق ، يقال : حرقه إذا بالغ في تحريقه (عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ) والمعنى : ثم آتى قوماً يصلون في بيوتهم ليس بهم عذر فأحرقها عليهم ، والعذر الخوف أو المرض .

 

بعض ما يفهم من الحديث :

 هذا الحديث مما استُدل به على أن صلاة الجماعة فرض عين ، وسياق الحديث يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلف عنها ، وفيه الرخصة للإمام أو نائبه في ترك الجماعة لأجل إخراج من يستخفى في بيته ويتركها ، والوعيد والتهديد في المتخلف عن الجماعة لا يختص بالجمعة بل هو عام في جميع الصلوات.

 

 فيه : أن الإمام إذا عرض له شغل يستخلف من يصلي بالناس .

 

وفيه جواز الانصراف بعد إقامة الصلاة لعذر.

 

 أن أحد هؤلاء المتخلفين عن الجماعة لو علم أنه يدرك الشيء الحقير والنّزر اليسير من متاع الدنيا أو لهوها لبادر إلى حضور الجماعة إيثاراً لذلك على ما أعد الله تعالى له من الثواب على شهود الجماعة وهي صفة لا تليق بغير المنافقين.

 

وفيه الإشارة إلى ذم المتخلفين عن الصلاة بوصفهم بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به , مع التفريط فيما يحصل رفيع الدرجات ومنازل الكرامة .

 

وفي الحديث من الفوائد تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة , والمفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزجر اكتفى به عن الأعلى من العقوبة.

 

 وفيه جواز أخذ أهل الجرائم على غرة ؛ لأنه   صلى الله عليه وسلم  هَمَّ بذلك في الوقت الذي عهد منه فيه الاشتغال بالصلاة بالجماعة , فأراد أن يبغتهم في الوقت الذي يتحققون أنه لا يطرقهم فيه أحد.

 

وفي السياق إشعار بأنه تقدم من النَّبِيّ   صلى الله عليه وسلم  زجرهم عن التخلف عن الصلاة بالقول حتى استحقوا التهديد بالفعل .

 

واستُدل به على مشروعية قتل تارك الصلاة متهاونا بها ؛ لأنهم إذا استحقوا التحريق بترك صفة من صفات الصلاة خارجة عنها سواء قلنا واجبة أو مندوبة كان من تركها أصلاً أحق بذلك.

 

الأعذار تبيح التخلف عن الجماعة ولو قلنا إنها فرض , وكذا الجمعة.

 

 

2010/04/14 3317
السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ صلاة الجماعة

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day