النداء السابع و السبعون : تقديم صدقةٍ قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم
النداء السابع و السبعون : تقديم صدقةٍ قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13) } سورة المجادلة
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ الذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَدِّثُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ ، ( أَيْ مُسَارَّةً ) ، أَنْ يُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ، وَتُؤهِّلُهُمْ لِبُلَوغِ هَذَا المُقَامِ ، وَفِي تَقدِيمِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ثَوَابٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللهِ ، وَتَزْكِيَةٌ لِلنُّفُوسِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ، مَنْ يُرِيدُ مُنَاجَاةَ الرَّسُولِ ، مِمَّنْ يَمْلِكُونَ شَيْئاً يَسْتَطِيعُونَ التَّصَدُّقَ بِهِ فَلاَ حَرَجَ عَلَيهِ إِذَا لَمْ يَتَصَدّقْ ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ لِلتَّخْفِيفِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ السُّؤَالِ فَقَدْ سَأَلَهُ قَوْمٌ حَتَّى شَقُّوا عَلَيهِ ، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ .
أَبَخِلْتُمْ بِالمَالِ أَنْ تُنْفِقُوهُ فِي سَبْيلِ اللهِ ، وَخِفْتُم الفَقْرَ إِنْ قَدَّمْتُمُ الصَّدَقَاتِ ، وَوَسْوَسَ إِلَيْكُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ هَذَا الإِنْفَاقَ فِيهِ ضَيَاعٌ لِلْمَالِ؟ فَمَا دُمْتُمْ لَمْ تُنْفِقُوا المَالَ ، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَقَدْ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ ، وَرَخَّصَ لَكُمْ بِالمُنَاجَاةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِمِةِ صَدَقَاتٍ ، فَتَدَارَكُوا ذَلِكَ بِالمُثَابَرَةِ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلاَةِ عَلَى وَجْهِهَا الأَكْمَلِ ، وَعَلَى دَفْعِ الزَّكَاةِ عَنْ أَمْوَالِكُمْ ، وَأَطِيعُوا اللهَ فِيمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ هُوَ وَرَسُولُهُ ، وَانْتَهُوا عَمَّا يَنْهَاكُمْ عَنْهُ ، وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا يَعْمَلُهُ العِبَادُ ، وَسَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهِ .
كذلك يعلمهم القرآن أدباً آخر في علاقتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم فيبدو أنه كان هناك تزاحم على الخلوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدثه كل فرد في شأن يخصه؛ ويأخذ فيه توجيهه ورأية؛ أو ليستمتع بالانفراد به مع عدم التقدير لمهام رسول الله صلى الله عليه وسلم الجماعية؛ وعدم الشعور بقيمة وقته ، وبجدية الخلوة به ، وأنها لا تكون إلا لأمر ذي بال . فشاء الله أن يشعرهم بهذه المعاني بتقرير ضريبة للجماعة من مال الذي يريد أن يخلو برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتطع من وقته الذي هو من حق الجماعة . في صورة صدقة يقدمها قبل أن يطلب المناجاة والخلوة :
{ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة . ذلك خير لكم وأطهر . فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم } . .
ولكن الأمر شق على المسلمين . وعلم الله ذلك منهم . وكان الأمر قد أدى غايته ، وأشعرهم بقيمة الخلوة التي يطلبونها . فخفف الله عنهم ونزلت الآية التالية برفع هذا التكليف؛ وتوجيههم إلى العبادات والطاعات المصلحة للقلوب :
{ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات؟ فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله . والله خبير بما تعملون } . .
وفي هاتين الآيتين والروايات التي ذكرت أسباب نزولهما نجد لوناً من ألوان الجهود التربوية لإعداد هذه الجماعة المسلمة في الصغير والكبير من شؤون الشعور والسلوك