هل ورد حديث صحيح جمع الأسماء الحسنى كلها؟
هل ورد حديث صحيح جمع الأسماء الحسنى كلها؟
حديث سرد الأسماء ضعيف:
المتفق على صحته هو الحديث الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه –أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة» رواه البخاري ومسلم.
أما الروايات التي ذكرت الأسماء الحُسنى وعينتها سردًا والتي رواها الترمذي وابن ماجه في سننه وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه –والتي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة. هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الملك القدوس .....» ثم سرد تسعة وتسعين اسمًا (فإنهما روايتان ضعيفتان لا تصحان عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية الترمذي (الوليد بن مسلم) وقد تفرد بالرواية وهو مدلِّس في التسوية).
قال ابن حجر:«وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط بل الاختلاف فيه والاضطراب وتدليسه واحتمال الإدراج»([1]).
فقد جمع هذا الحديث أسماءً ثابتة بالدليل من كتاب الله وصحيح السُّنة إلى أسماءٍ أُخرى لم يرد بها دليلٌ صحيحٌ يثبتها أو دليل صريح يوضحها.
وهذه الرواية وغيرها مما ورد فيها سرد الأسماء فهو مدرجٌ فيها (أي وضعه الراوي في الرواية اجتهادًا من عند نفسه) وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يخفى على أهل العلم والمعرفة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم .
كلام العلماء على هذه الروايات.
قال ابن حجر العسقلاني –رحمه الله-:«والتحقيق أن سردها من إدراج الرواة»([2]).
قال الصنعاني:«اتفق الحُفَّاظ من أئمة الحديث أن سردها إدراج من بعض الرواة»([3]).
قال شيخ ألإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:بعد ذكره الروايتين اللتين اشتهرتا بين عامة الأمة وورد فيهما سرد الأسماء وهما روايتا: الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه ثم قال: وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين ليستا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كل منهما من كلام بعض السلف([4]).
وقد جاء في رواية الترمذي أسماءٌ مدرجة، وبيانها كالتالي.
الأسماء الُمشْتَقة من أفعال:
وهذه الأسماء لا يصح إثباتها لله (سبحانه) من عدة أوجه منها:
1- لأن الاشتقاق استحداث لصيغة الاسم وهذا لا يصح لأن أسماء الله لا تكون حديثة أبدًا بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء»([5]).
2- لأن اشتقاق أسماء الله من أفعاله تعني حالًا لم يأت به الشرع وهذه مخالفة صريحة للكتاب والسنة.
قال تعالى: [ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ][الأحزاب: 36].
3- لأن خصائص الاسم تختلف لغة وشرعًا عن خصائص الفعل، فالاسم يعني العموم والشمول والإحاطة بصفة الفعل. فمن ذلك أفعال «المكر» و «الغضب» فقد قال تعالى: [ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ][الأنفال: 30]. فهل يصح اشتقاق اسم من الفعل «يمكر» فنقول أن الله الماكر؟ هذا لا يصح أبدًا لا لغة ([6]) ولا شرعًا وكذلك فعل «الغضب» في قوله تعالى:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ ] [الممتحنة: 13]. هل يصح أن يُشتق منه اسم فيقال من أسماء الله «الغضبان»؟ فهذا لا يصح قطعًا.
4- وقد علمنا أن أسماء الله توقيفية لا مجال للعقل فيها، ودورنا نحوها الإحصاء وليس الاشتقاق والإنشاء([7]).
5- لأن الله سبحانه هو أعظم من يصف نفسه ويثني عليها، فما كان من هذا الثناء اسمًا كان هو الأحسن في حمده والثناء عليه وما ورد على صيغة الصفة كان هو الأحسن في مكانه كصفة له سبحانه، وما جاء على صيغة الفعل فهو كذلك الأحسن في حمد الله والثناء عليه بهذه الصيغة، وهذا لا يستطيع البشر إدراكه وإحصاءه والإحاطة به، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :«لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».
ونذكر هنا بعض ما تبين لنا أنه ليس من الأسماء الحسنى:
1، 2- «الخافض، الرافع» واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه»([8]).
ولم يردا بصيغة الاسم ولكنهما قد أتيا بصيغة الفعل فلم يثبتا أنهما من الأسماء الحسنى.
3، 4- «المعز المذل»: وحجة من أثبتها في قوله تعالى:[ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ][آل عمران: 26].
وهما أيضًا لا يثبتان لأنهما فعلان وهما (تعز، وتذل).
5- العدل: وقد جاء على صيغة أمر الله فيها بالعدل في قوله تعالى: [ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ][النحل: 90].فلم يثبت أيضًا.
6- الجليل: وهذه الصيغة أيضًا لم ترد في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ولكن الذي ورد في ذلك قوله تعالى:[ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ][الرحمن: 78].
7، 8- «الباعث، والمُحْصِي» وقد جاء أفعالهما فقط في القرآن قال تعالى: [ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ][المجادلة: 6]. وقد وردا في صيغتي أفعال. وهما (يبعثهم، أحصاه) وهما ليسا من الأسماء.
9، 10- «المبدئ، المعيد» واستند من سمى الله بهذين الاسمين على قوله تعالى: [ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ][البروج: 13]، وهما فعلان كما ترى (يبدء، ويعيد) وليسا في الأسماء.
11، 12- «المُحْي، المُميت» واستند من أطلقهما على الله سبحانه إلى قوله تعالى: [ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ] [يونس: 56]،وهما أيضًا فعلان وليسا من الأسماء.
وقد جاءت لفظة محيى مقيدة لا يستقيم معناها بمفردها وهو قوله تعالى: [ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ][فصلت: 39]، وهكذا لم يثبت الاسم أيضًا مفردًا بهذه الصيغة.
أسماء من دليل ضعيف:
13، 14- «الواجد الماجد» وقد ورد هذان الاسمان في حديث ضعيف وهو عند الترمذي من حديث أبي ذر –رضي الله عنه –أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله قال: «ذلك لأني جوادٌ ماجدٌ واجد أفعل ما أشاء»([9]).
ومما هو معلوم أن العقائد والإيمانيات لا تثبت بحديث ضعيف وأخطر أمور الإيمان على الإطلاق أسماء الله وصفاته (سبحانه وتعالى). فهي أولى بتحري الصحة في الأدلة عليها.
15، 16- المقسط فالذي نسب هذا الاسم لله استند على قوله تعالى: [ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ][الأعراف: 29]، وهو أمرٌ من الله بالقسط وهو ليس اسمًا لله سبحانه كما ترى.
أسماء قد جاءت مضافة ولم تأت مفردة.منها:
17، 18- «النور، البديع» وقد استند من نسبه إلى الله سبحانه إلى قوله تعالى: [ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ] [النور: 35]فإنه قد جاء مقيدًا مضافًا مركبًا من كلمتين (نور السموات والأرض) ولو أفردت كلمة (نور) أو حُذفت كلمة السموات والأرض لم يستقم معنى الآية ولا يكون الاسم هكذا بل الاسم إذا أُفرِد أفاد معنىً مستقلًا بذاته وذلك مثل:[وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ] [وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ]وهكذا
19- البديع:وكذلك اسم البديع جاء مُقَيَّدًا في قوله تعالى: [ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ][البقرة: 117] فلو حُذِفَت كلمة (السموات والأرض) لم يصح إفراد لفظ البديع وعلى هذا فإنه لا يثبت أيضًا بهذه الصيغة.
20، 21- «الضار، النافع» فلم يأت فيهما إلا أدلة على غير صيغة الاسم كقوله تعالى: [ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ][الأنعام: 17]. وهو كما ترى أنه اسم للضَّررِ وليس اسمًا لله سبحانه. وكقوله صلى الله عليه وسلم : «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك»([10]).
22- الجامع: فقد جاء في قوله تعالى: [ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ ][آل عمران: 9].
وهو أيضًا من الأسماء المضافة فهو «جامع الناس» ولم يأتِ بغير تلك الإضافة فلا يصح إفراده بغير المضاف إليه.
23- المانع: وقد استدل من أثيته على قول النبي صلى الله عليه وسلم : «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت». وهو كما ترى اشتُق من الفعل «منعت»([11]).
24: الرشيد: وقد استدل من أثبته من قوله تعالى: [ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ][الجن: 10]، وكلمة «رشدًا» كما ترى ليست من الأسماء الحسنى، وإنما هي اسم لمفعول به وهو «الرشد».
----------------------------------------
([1]) انظر فتح الباري لابن حجر (11/219)، والأسماء الحسنى لعبد الله الغصن (155).
([2]) بلوغ المرام من أدلة الأحكام حديث رقم (1396).
([3]) الأسماء الحسنى: د/ محمود عبد الرازق الرضواني (1/97).
([4]) المصدر السابق.
([5]) رواه مسلم.
([6]) لأن الاسم في اللغة تميزه خصائص هي ليست للفعل مثل «دخول» (ال)، والتنوين، دخول حروف الجر، والإضافة.
([7]) من كتاب «أسماء الله الحسنى» للدكتور محمود عبد الرازق الرضواني (1/105)، وهذا من أجمل ما قيل في هذا الباب، فجزاه الله عنَّا وعن الإسلام خيرًا.
([8]) رواه مسلم (179).
([9]) رواه الترمذي في «صفة القيامة» (4/656) (2495)، وضعفه الألباني في «ضعيف الترغيب والترهيب» (1008).
([10]) الترمذي في كتاب «صفة القيامة والرقائق والورع»(4/667) (2516).
([11]) رواه البخاري.