وقفات مع معاني الاحسان
وقفات مع معاني الاحسان
تعالوا نبدأ التطواف في بستانٍ وارف الظلال ، ماتع الشذا و الأزهار .
وأقول : لن أتمكن البتة من قطف كل ثمرات هذا البستان ؛ فمن اليسير جدَّا أن نقطف زهرة ً واحدةً من وسط صحراء مقفرة ؛ لأنها بلا ريب ستلفت نظرك ، و لكن من العسير جداَّ أن نقطف زهرة وسط حديقة غناء تضمُّ كلَّ أنواع الزهور ، و تحوي كل أنواع العبير و الرايحين .
فبستان الإحسان بستانٌ أري فيه الحكمة العربية القديمة التي تقول :( مَنْ أَخْصَبَ تَخَيَّر ) ، و أراها ستنقلب علينا فستكون : ( مَنْ أَخْصَبَ تَحَيَّر ) ؛ فالأزهار كثيرةٌ ، و الدروس متعددةٌ ودرجات اإحسان متنوعةٌ ‘ ومقامات الإحسان كثيرةٌ و اسعة ٌ ، بِسِعَةِ الدين كما سأبيِّن الآن .
فتعالى بنا – أيها الحبيب- و أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المحسنين – لنبدأ التطواف في بستان " الإحسان " ، و أشهد الله أنني أتحدث عن الإحسان لا من منطلق الشعور بالأهلية ، و إنما من منطلق الشعور بالمسئولية ، و هذا ما تؤصِّله و تقرِّره القاعدة الأصولية : ( من عدم الماء تيمم بالتراب ) .
فوالله ما شممنا رائحو القوم ، بل نتلمَّس الخُطا ، أسأل الله أن يحشرنا و إياكم جميعاً مع المحسنين " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " [ المائدة :13] .
و سأقف و قفة ً شاملةً دون تفصيل ، ثم بعد ذلك – إن شاء الله – أُفَصِّـل القول في الإحسان ؛ فهذه وقفاتٌ مجلمة ٌ لنتعرف – أولاً – على الإحسان لغةً و اصطلاحاً ، و لنقف مع بعض آيات القرآن الكريم و أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .
لنمتع القلوب بالوقوف على أمثلة عملية تطبيقية للنبي صلى الله عليه وسلم في الإحسان .
فالإحسان كما عرفة النبي صلى الله عليه وسلم هو : " أَنْ تَعْبُدَ الله كأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَراكَ " ؛ فمن ثَمَّ ينقسم الحديث إلى محورين اساسيين : المحور الأول في العبادة : وسأطيل النفس جدا في العبادة ؛ فهي الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق ، و هي الأصل الأول من الإحسان : " أَنْ تَعْبُدَ الله كأَنَّكَ تَرَاهُ " .
فسأتحدث عن العبادة لغة و اصطلاحا ، و سأتحدث عن أقسام الناس في العبادة ، و عن من نعبد ، و عن كيفية العبادة ، و عن سبب العبادة .
ثم بعد ذلك أتكلم عن الإحسان في العبادة ذاتها ، ثم بعد ذلك – إن شاء الله – سأتكلم عن الشطر الثاني ، أو المحور الثاني من أصول الإحسان ؛ ألا و هو :" فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَراكَ " سأتحدث فيه عن المراقبة ، و الخشية ، و الإنابة ، و الخوف ، و المحبة ... إلى آخر مقامات الإحسان . وسيستغرق هذا الحديث من أبواب الدين شيئاً كثيراً – كما ذكرت .
أسأل الله أن يجعل حظنا موفورا و رزقنا مباركاً ، و أن يرزقنا و إياكم الإخلاص و الإحسان ؛ إنه ولي ذلك و القادر عليه .