النداء الرابع و العشرون : لا يجوز قتل من أسلم أثناء القتال
النداء الرابع و العشرون : لا يجوز قتل من أسلم أثناء القتال
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (94) سورة النساء
يُنَبِّهُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ إلى ضَرْبٍ آخَرَ مِنْ ضُرُوبِ القَتْلِ خَطَأً ، كَأنْ يَحْصَلَ أَثْنَاءَ سَفَرٍ ، أَوْ غَزْوٍ فِي سَبِيلِ اللهِ إلى أَرْضِ المُشْرِكِينَ ، بَعْدَ أَنْ كَانَ الإِسْلاَمُ قَدِ انْتَشَرَ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ مِنَ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ ، وَكَانَ بَعْضَ المُسْلِمِينَ يُحَاوِلُونَ الاتِّصَالَ بِإِخْوانِهِمُ المُسْلِمِينَ ، فَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُسْلِمِينَ بِأَنْ لاَ يَحْسَبُوا كُلَّ مَنْ وَجَدُوهُ ، فِي أَرْضِ الكُفْرِ كاَفِراً ، وَأَنْ يَتَرَيَّثُوا فِي الحُكْمِ عَلَيهِ حَتَّى يَفْحَصُوا أَمْرَهُ وَيَتَبَيَّنُوهُ .
( وَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ إِثْرَ حَادِثٍ وَقَعَ لُغُزَاةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَدْ مَرَّ بِهِمْ رَجُلٌ مِنْ سُلَيْمٍ يَرْعَى غَنَماً فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِتَحِيَّةِ الإِسْلاَمِ ، فَقَالُوا إِنَّهُ لاَ يُسَلِّمُ عَلَينا إلاَّ لِيَتَعَّوذَ مِنَّا ، فَعَمَدوا إلَيهِ فَقَتَلُوهُ وَأتوا بِغَنَمِهِ إلى النَّبِيِّ )
وَيَقُولُ تَعَالَى : إذَا كُنْتُمْ تُجَاهِدُونَ فِي أَرْضِ الأَعْدَاءِ فَتَبَيَّنُوا ، وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيكُمْ ، وَيُظْهِرَ لَكُمْ إِسْلاَمَهُ ، لَسْتَ مُسْلِماً ، وَتَقْتُلُونَهُ رَغْبَةً مِنْكُمْ فِي الاسْتِحْواذِ عَلَى المَغْنَمِ مِنْهُ ، فَعِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِمَا رَغِبْتُمْ فِيهِ مِنْ عَرَضِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ، الذِي حَمَلَكُمْ عَلَى قَتْلِ مِثْلِ هَذَا الرَّجُلِ الذِي أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ ، وَأَظْهَرَ لَكُمُ الإِيمَانَ ، فَتَغَافَلْتُمْ عَنْهُ وَاتَّهَمْتُمُوهُ بِالمُصَانَعَةِ وَالتَّقِيَّةِ لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ، فَمَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرِّزْقِ الحَلاَلِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ مَالِ هَذَا . وَقَدْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ ، فِي مِثْلِ حَالِ هَذا الرَّجُلِ الذِي يُسِرُّ إِسْلاَمَهُ ، وَيُخْفِيهِ عَنْ قَوْمِهِ ، فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ بِالعِزِّ وَالنَّصْرِ ، وَهَدَاكُمْ إلى الإِسْلاَمِ ، وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ، لاَ يَخْفَى عَلَيهِ شَيءٌ مِنَ البَوَاعِثِ التِي حَفَزَتْكُمْ عَلَى فِعْلِ مَا فَعَلْتُمُوهُ .
إن عرض الحياة الدنيا لا يجوز أن يدخل للمسلمين في حساب؛ إذا خرجوا يجاهدون في سبيل الله . إنه ليس الدافع إلى الجهاد ولا الباعث عليه . . وكذلك التسرع بإهدار دم قبل التبين . وقد يكون دم مسلم عزيز ، لا يجوز أن يراق .
والله سبحانه يذكر الذين آمنوا بجاهليتهم القريبة وما كان فيها من تسرع ورعونة؛ وما كان فيها من طمع في الغنيمة . ويمن عليهم أن طهر نفوسهم ورفع أهدافهم ، فلم يعودوا يغزون ابتغاء عرض الحياة الدنيا كما كانوا في جاهليتهم . ويمن عليهم أن شرع لهم حدوداً وجعل لهم نظاماً؛ فلا تكون الهيجة الأولى هي الحكم الآخر . كما كانوا في جاهليتهم كذلك . . وقد يتضمن النص إشارة إلى أنهم هم كذلك كانوا يخفون إسلامهم - على قومهم - من الضعف والخوف ، فلا يظهرونه إلا عند الأمن مع المسلمين ، وأن ذلك الرجل القتيل كان يخفي إسلامه على قومه ، فلما لقي المسلمين أظهر لهم إسلامه وأقرأهم سلام المسلمين .
{ كذلك كنتم من قبل . فمن الله عليكم . فتبينوا . إن الله كان بما تعلمون خبيراً } .
وهكذا يلمس المنهج القرآني القلوب لتحيا وتتحرج وتتذكر نعمة الله . . وعلى هذه الحساسية والتقوى ، يقيم الشرائع والأحكام؛ بعد بيانها وإيضاحها .
وهكذا يتناول هذا الدرس تلك الجوانب من قواعد المعاملات الدولية بمثل هذا الوضوح ، ومثل هذه النظافة . منذ أربعة عشر قرناً . ..