الكون نسيج كوني محكم
إن أروع اللحظات هي تلك التي يكتشف فيها المؤمن معجزة جديدة في كتاب الله تعالى، عندما يعيش للمرة الأولى مع فهم جديد لآية من آيات الله، وعندما يتذكر قول الحقّ عزَّ وجلَّ: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: 93].
وقد بدأت قصتي مع هذه السلسلة من الأبحاث عندما كانت تستوقفني آيات من كتاب الله تعالى لا أجد لها تفسيراً منطقياً أو علمياً، وبعد رحلة من البحث بين المواقع العلمية وما يجدُّ من اكتشافات في علوم الفلك والفضاء والكون، إذا بي أُفاجأ بأن ما يكتشفه العلماء اليوم قد تحدَّث عنه القرآن بمنتهى الوضوح والدقّة والبيان!
عندما بدأ العلماء باكتشاف الكون أطلقوا عليه كلمة «فضاء»، وذلك لظنّهم بأن الكون مليء «بالفراغ». ولكن بعدما تطورت معرفتهم بالكون واستطاعوا رؤية بنيته بدقة مذهلة، ورأوا نسيجاً كونياً محكماً ومترابطاً، بدءوا بإطلاق مصطلح جديد هو «بناء».
إنهم بالفعل بدءوا برؤية بناء هندسي مُحكم، فالمجرات وتجمّعاتها تشكّل لبنات وأساس هذا البناء، وتشترك هذه المجرات مع الغبار الكوني والدخان الكوني لتشكيل بناء شديد الإتقان.
كما بدءوا يتحدثون عن هندسة بناء الكون ويطلقون مصطلحات جديدة لم نعهدها من قبل مثل الجسور الكونية، والجدران الكونية، وأن هنالك مادة غير مرئية سمّوها بالمادة المظلمة، وهذه المادة تملأ الكون وتسيطر على توزع المجرات فيه، وتشكل جسوراً تربط هذه المجرات بعضها ببعض.
لقد بدءوا يطلقون مصطلحات غريبة أيضاً، فالصور التي رسمتها أجهزة السوبر كمبيوتر أظهرت الكون وكأن المجرات فيه لآلِئ تزيّن العقد! لقد اكتشفوا أشياء كثيرة وما زالوا.
وفي كل يوم نجدهم يطلقون أبحاثاً جديدة وينفقون بلايين الدولارات في سبيل هذه الاكتشافات، بل ويؤكدون هذه الاكتشافات عبر آلاف الأبحاث العلمية التي تطالعنا بها كل يوم مواقع الإنترنت والمجلات والصحف العلمية.
تطـابـق مذهل
ما أكثر الآيات التي استوقفتني طويلاً، فوقفتُ أمامها خاشعاً في محراب جلالها وجمالها، متأمِّلاً دقّة بنائِها وإحكامها، وروعةَ أسلوبها وسحرها، ومتدبِّراً دِلالاتها ومعانيها، ومتفكِّراً في عجائبها وعلومها ومعجزاتها.
كيف لا أقف هذا الموقف وأنا أمام أعظم وأجمل وأروع كتاب على الإطلاق، ألا وهو الكتاب الذي وضع الله تعالى فيه علمَه فقال: ﴿لـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾ [النساء: 166].
شكل (1) عندما ننظر إلى السماء من خلال المناظير المكبرة (التليسكوبات) نرى بناء محكماً من النجوم والغاز والغبار والدخان، وتظهر النجوم بألوان زاهية تزين السماء. فتأمل عظمة هذا البناء الكوني، وتأمل أيضاً كيف تحدث القرآن عنه بقوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾ [النازعات: 27-28].
شكل (2) تأمل معي أخي القارئ عظمة البناء الكوني، ملايين الملايين من النجوم والمجرات والدخان الكوني جميعها يَملأ أرجاء الكون، فلا تجد أي فراغ أو خلل أو اضطراب ألا يدل ذلك على عظمة خالق الكون سبحانه وتعالى؟ يقول تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ [الملك: 3-4].
إنه علم الله الذي يعلم أسرار الكون والذي أودع في كتابه هذه الأسرار، وقال عنه: ﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ [الفرقان: 6].
والعجيب جداً أن القرآن الكريم تحدث بدقة فائقة عن حقائق كونية نراها اليوم! والدلائل التي سنشاهدها ونلمسها في هذا البحث العلمي هي حجّة قوية جداً على ذلك.
سوف نضع أقوال أهم الباحثين والمكتشفين على مستوى العالم بحرفيتها، وبلغتهم التي ينشرون بها أبحاثهم، ومن على مواقعهم على الإنترنت، والتي يمكن لكل إنسان أن يرى ويتأمل هذه الأقوال مباشرة. ونتأمل بالمقابل كلام الله الحقّ عزّ وجلّ، ونقارن ونتدبّر دون أن نحمِّل هذه الآيات ما لا تحتمله من التأويلات أو التفسيرات.
سوف نرى التطابق الكامل بين ما يكشفه العلم اليوم وبين ما تحدث عنه القرآن قبل قرون طويلة. ولكن قبل التعرف إلى هذه الحقائق لا بدّ أن نقف على أحد الانتقادات المزعومة التي تُوجَّه للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة.