عاشراً : الأمور التي تنافي الإخلاص ما هي ؟
نحن عرفنا أنّ العمل الذي يمكن أن يُحكم عليه بأنّه خالص لوجه الله عز وجل ، أنّه علي مرتبتين اثنتين :
المرتبة الأولى : و هي أن يعمل العمل يريد به وجه الله و لا يلتفت إلى شيءٍ آخر ، بمعنى أنّ النية و القصد يتمحضان لإرادة وجه الله تبارك و تعالى ، و لا يلتفت مع ذلك إلى مطلوبٍ آخر ، فهذا هو أعلى المراتب .
و المرتبة الثانية من مراتب أهل الإخلاص : و هي أن يلتفت إلى أمرٍ آخر يجوز أن يَلتفت إليه ، و هذا الأمر يحصل بالتبع مع العمل الصالح ، كالذي يجاهد يريد وجه الله عز وجل و هو أيضاً يريد الغنيمة ، و كالذي يحج و هو يريد وجه الله عز وجل و يريد أيضاً أن يُتاجر في الحج يبيع و يشتري ، و كالذي يمشي إلى المسجد يريد وجه الله عز وجل و يريد أن يتقوى بدنه ، و كالذي يصوم يريد وجه الله عز وجل و يريد مع ذلك أن يصح جسده ، و هكذا .. فإنّ هؤلاء محكومٌ لهم بالإخلاص ، و هذا الالتفات الذي التفتوه ، و هذا النظر الذي نظروه ، يجوز أن يلتفتوا إليه ، و يجوز أن يراعيه المُكلّف في هذا العمل الذي عمله ، و لا يقدح ذلك في إخلاصه إلا أنّ مرتبته تكون دون من تمحض قصده و إرادته لوجه الله تبارك و تعالى ، فهذه مراتب المخلصين .
و أما ما ينافي الإخلاص من أنواع الالتفات ، فإنّ ذلك أيضاً على مراتب ، فالذين يُحكم على أعمالهم بأنّها منافية للإخلاص على درجات أو على دركات ، أو يمكن أن نجعلهم على أنواع :
النوع الأول : من تمحضت إرادته لغير الله سبحانه و تعالى ، و هم على قسمين :
أولهما : من تمحض قصده للرياء و السمعة ، لا يريد إلا الرياء و السمعة ، و لا يريد شيئاً آخر ، لا يريد ما عند الله عز وجل ، يفعل ذلك نفاقاً ، يفعله رياءً ، يفعله سمعةً ، فمثل هؤلاء لا نصيب لهم عند الله عز وجل .
و الطائفة الأخرى : و هم أولئك الذين تمحضت إرادتهم للدنيا لكن لا للرياء و السمعة ، كمن يصوم ليصح فقط ، و يصل الرحم ليُنسئ له في أثره ، و يزكي ماله من أجل أن ينمو هذا المال و يذكو و يُبارك فيه ، و هكذا في سائر أعماله الصالحة ، يعمل العمل الصالح و يريد شيئاً معجلاً ، يغزو في سبيل الله و هو لا يريد وجه الله ، و إنّما يريد الغنيمة فقط ، يذهب إلى الحج و يتنقل في المشاعر و ليس قصده إلا التجارة ، فهذا ليس له عند الله نصيب في هذا العمل ، فهذا و الذي قبله ممن تمحض قصده لغير الله عز وجل ، هؤلاء إن كان ذلك في أصل الإيمان فإنّ ذلك يجعلهم ممن توعد الله عز وجل بقوله في سورة هود :
مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ- أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
، فحكم عليهم بحبوط الاعمال ، و حكم عليهم بالبقاء في النار ، و كذلك يقول الله عز وجل في سورة الاسراء :
( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا ) .
فهؤلاء تمحضت إرادتهم للدنيا ، إما أن يكون ب كل أحواله مريداً للدنيا ، فهي غاية همه و هي طلبته التي من أجلها يقوم و يقعد و من أجلها يعمل ، فليس له مطلوب سواها ، فمثل هذا متوعد بهذه العقوبة ، و هكذا من كانت أعماله على سبيل الرياء و السمعة جميعاً أو كان ذلك في أصل الإيمان دخله الرياء و السمعة ، فهم متوعدون بمثل هذه النصوص .
القسم الآخر : و هو أن يريد وجه الله عز وجل و يلتفت مع ذلك إلى أمر لا يجوز الالتفات إليه و هو الرياء و السمعة ، يحج يريد وجه الله عز وجل و يريد من الناس أن يقولون يا حاج ، أن يقول فلان يحج البيت ، مجاهد يريد وجه الله عز وجل و يريد مع ذلك أن يقال فلان مجاهد أو شجاع و هكذا ، يتصدق لإرادة وجه الله عز وجل و يريد أن يقال أيضاً فلان جواد و هكذا ، هؤلاء لا نصيب لهم عند الله عز وجل في هذا العمل ، و النبي صلى
الله عليه و سلم يروي عن ربه تبارك و تعالى أنّه قال : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري ، تركته و شركه " .