التشريك في النية على نوعين


الشيخ / خالد بن عثمان السبت

و بهذا الاعتبار صار التشريك في النية على نوعين :

- نوع يُشرّك فيه العامل بأمر يجوز التشريك فيه : و هو أمرٌ مباح يجوز أن يلتفت إليه المُكلّف ، و يحصل على سبيل التبع ، كالذي يدرس العلم الشرعي ليُحصّل علماً و ليتعبد الله عز وجل بذلك ، و أيضاً ليحصل شهادةً أو ليحصل جائزةً أو غير ذلك ، فهذا عمله صحيح مقبول .

- أما الالتفات الثاني فهو محرم : و هو أن يلتفت مع إرادة وجه الله عز وجل إلى أمرٍ يحرم الالتفات إليه ، الرياء و السمعة .

فصار الالتفات على قسمين : قسم محرم و قسم جائز ، 

و صار التمحض في الإرادة على قسمين : أن يريد وجه الله فقط وهذا في أعلى المراتب ،

 أو أن يُريد غير وجه الله عز وجل و هو نوعان : أن يريد دنيا فقط غير الرياء و السمعة ،

 أو أن يريد رياءً و سمعةً خالصةً و لا يريد وجه الله عز وجل مع ذلك ، فهذه مراتب العاملين و أنواعهم من جهة الالتفات الذي يجوز و الذي لا يجوز ، و هذا التفصيل لعله أجود ما يُقال في هذا الموضوع ، و قد تكلم العلماء كثيراً على هذه القضايا ، فبين مفرقٍ و مفرط ، و هذا التفصيل تجدون تفصيل يشبهه ذكره القراصي رحمه الله في كتابه الفروق ، في قاعدة التي يذكر فيها أنواع التشريك في النيات و المقاصد ، إذا عرفت هذا أقول الذي ينافي الإخلاص هو الشرك بجميع أنواعه .


الشرك الأكبر يكون معه حبوط الأعمال ، فلا يُقبل من صاحب الشرك الاكبر فرطٌ و لا عدل ،

و الله عز وجل يقول : ( وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ) .

و يقول عن أعمال الكافرين

( أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ )

، (أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ )

، فليس لهم حظ عند الله عز وجل و لا نصيب .

و هؤلاء الذين يشركون مع الله عز وجل غيره قد أخلوا بأحد أركان قبول العمل الثلاثة ، و هي : الإخلاص و المتابعة و الايمان :

قال الله في آخر سورة الكهف :

( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا- أي خالصاً صوابا - وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )

، و قال في أولها :

( و يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ) .

فذَكَر الإيمان و ذكر العمل الصالح الذي لا يكون العمل به صالحاً إلا إذا كان خالصاً و صواباً على وفق ما شرع الله عز وجل ، و الآيات الدالة على هذا كثيرة ، كقوله تبارك و تعالى :

( وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا )

، سعى لها سعيها الخالص الصواب الذي تابع فيه النبي صلى الله عليه و سلم ، ( وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) هذا هو الشرط الثالث من شروط قبول العمل و هو الإيمان .

فالشرك الأكبر ينافي الإخلاص و يضاده ، و كذلك أيضاً الرياء و هو مصدر راء ، مراءةً ، تقول هو مرائي ، و حقيقته في كلام العرب أن يُري غيره خلاف ما هو عليه ، فيُظهر الخشوع و هو ليس بخاشع ، و يُظهر التقوى و هو ليس بتقي ، و هكذا حينما يتزين بأعماله التي يظهر أنّه يبتغي بها وجه الله عز وجل ليحصّل منزلةً في قلوب المخلوقين ، ليطروه و ليثنوا عليه و ليرفعوه و ما إلى ذلك .


و أما عبارات العلماء في معنى الرياء فهي عبارات متفاوتة مع تقاربها في المعنى ، فمن قائلٍ هو أن يقوم العبد بالعبادة التي يتقرب بها لله لا يريد الله عز وجل بل يريد عرضاً دنيوياً ، و من قائل هو إرادة العبادة بطاعة الله ، و من قائل هو التشبه بذوي الأعمال الفاضلة طلباً للسمعة و المفاخرة ، و من قائلٍ هو إظهار عمل العبادة لينال مُظهرها عرضاً دنيوياً إما بجلب نفعٍ دنيوي أو تعظيمٍ أو إجلال ، و من قائل هو طلب ما في الدنيا بالعبادة و أصله طلب المنزلة في قلوب الناس ، ومن قائل الرياء أن يفعل شيئاً من العبادات التي أمر الله بفعلها لغيره ، و من قائل هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس فيَحمد صاحبها .


و هذا هو أدق التعريفات الذي اختاره الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ، هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس فيَحمدُ صاحبها ، فصار الرياء يتعلق بأمرٍ مُظهر لقصد رؤية الناس ؛ لأنّ الرياء يتعلق بحاسة البصر ، فيَحمدُ صاحبها ، فهو يريد بهذا أن يُحصّل منزلةً في قلوب الناس ، لا يريد أمراً يحصل على سبيل التبع ، كما قلنا الذي يحج و يريد التجارة ، أو يطلب العلم و يريد الله عز وجل و يطلب الشهادة ، فإنّ ذلك يجوز ، لكن هذا طلب أمراً يحرُم أن يلتفت إليه ، و هو أراد أن يكون له وقعٌ و منزلةٌ في نفوس الناس ، فعلى كل حال هذا أدق هذه التعريفات .

وقيل غير ذلك كقول الصنعاني : هو أن يفعل الطاعة و يترك المعصية مع ملاحظة غير الله ، أو يُخبر بها أو يحب أن يُطلع عليها بمقصد دنيوي من مالٍ أو غيره ، وهذا ليس فالدقة كالذي قبله .

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ التشريك في النية على نوعين

  • النية

    الشيخ عبد العزيز الطريفي

    النية الصالحة تزيد صاحبها خيراً ( إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ ) ، و النية الفاسدة تزيده شراً

    08/07/2018 1951
  • الصوم

    فريق عمل الموقع

    - صابئة اليوم يحرِّمون الصوم؛ لأنه من باب تحريم ما أحلَّ الله. - وقد كان الصوم عند الصابئة على نوعين: الصوم

    11/04/2010 3421
  • ما معنى إخلاص النية

    فريق عمل الموقع

    السؤال العاشر : ما معنى إخلاص النية الإجابة: هو أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأعماله الظاهرة وإلباطنة ابتغاء

    18/02/2018 7370
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day