في مفهوم (الجمالية) بين الإسلام والفلسفة الغربية
(فالجمالية) إذن؛ علم يبحث في معنى (الجمال) من حيث مفهومه، وماهيته، ومقاييسه، ومقاصده. (والجمالية) في الشيء تَعْنِي أن (الجمال) فيه حقيقة جوهرية، وغاية مقصدية، فما وُجِدَ إلا ليكون جميلاً! وعلى هذا المعنى انبنت سائر (الفنون الجميلة) بشتى أشكالها التعبيرية والتشكيلية.
ولقد قاد الجهل بالتراث الإسلامي أو العمى الصليبي بعضَ فلاسفة الغرب إلى حصر التجربة الجمالية الإسلامية في مجال (الإدراك العقلي)، دون الإدراك الوجداني العاطفي؛ واتهم التجربة الإسلامية بالفقر الفني والجمالي! فأقل ما يقال عن مثل هذا الاتهام أن صاحبه جاهل بحقيقة الإسلام وقيمه الجمالية من جهة، وبتجربة الأمة الإسلامية من جهة أخرى، أعني على المستوى الجمالي، في كل تجلياتها العربية وغير العربية: فارسيةٌ وهنديةً وتركيةً ثم مَالَوِيَّةً!
إن الجمالية الإسلامية تنبع أولاً من حقائق الإيمان، إذْ تَشَكَّلَ الوجدانُ الإنساني بما تلقاه من أنوار عن رب العالمين الرحمن الرحيم، وما انخرط فيه بعد ذلك؛ سيراً إلى الله تعالى عبر أشواق الروح، مبدعاً – باتباع تعاليم نبيه – أروع ألوان التعبير الجمالي من سائر أشكال العبادات والمعاملات والعلاقات! انطللاقا من حركته التعبيدية في جمالية الصوات ولوحاتها الحية الراقية! وما يَنْظِمُهَا من عمران روحي ومادي، إلى هندسة المدائن الإسلامية بما تحمله من قيم روحية سامية، وقيم حضارية متميزة جداً. إلى سائر النشاط الإنسان الذي أبدعه المسلمون في علاقتهم بربهم وعلاقتهم بأنفسهم وبغيرهم، إلى علاقتهم بالأشياء المحيطة بهم، بدءاً بالمسخَّرات من الممتلكات والحيوان، إلى المحيط الكوني الفسيح، الممتد من عالم الشهادة حولهم إلى عالم الغيب فوقهم! كل ذلك تفاعل معه المسلم؛ فأنتج أروع الأدبيات التعبيرية والرمزية، مما لا تزال تباريحه المشوقة بالمحبة، من الترتيل إلى التشكيل؛ تفيض على العالَم بالجمال والجلال أبداً.
فالجمالية الإسلامية إنما تكتمل بهذه الأركان الثلاثة جميعاً: الحكمة والمتعة والعبادة وعليه؛ فإن السلوك الإسلامي انطلق متحلياً بجماليته إلى جميع مناحي الحياة، الفنية، والإبداعية، والثقافية، والعمرانية، والأخلاقية, والاجتماعية. فكانت له في كل ذلك تجليات خاصة تتميز بخصوص المفهوم الإسلامي للجمال.
وحديثنا في هذا الكتاب إنما هو عن (جمالية الدين). الدين بما هو منبع الجمال في الإسلام، وبما هو أساس تأطيرالحياة الجمالية، في شتى تجليات الحضارة، المعنوية والمادية. أي من الترتيل إلى التشكيل. أو بعبارتنا المنهجية: (من القرآن إلى العمران).