المشهد الثاني: في جمالية الإيمان بالغيب
تقوم العقيدة الإسلامية من حيث الأساس التصوري على مبدأ الإيمان بالغيب. والغيب في معناه اللغوي: هو كل واقع حقيقي مجهول. قال ابن فارس: ("الغين والياء والباء": أصلٌ صحيحٌ، يدل على تَسَتُّرِ الشيء عن العيون. ثم يٌقَاسُ من ذلك الغيْبُ: ما غاب مما لا يعلمه إلا الله. ويقال: غابت الشمس تَغِيبُ غيْبةً وغُيُوباً وغَيْباً. وغابَ الرَّجُلُ عن بلده ووقَعْنَا في غَيْبَةٍ وغَيَابَةٍ: أي هَبْطَةٍ من الأرض، يُغال فيها.) وقال الزمخشري: (سمعت صوتاً من وراء الغيب: أي من موضع لا أراه "وألقوه في غَيَابَةِ الجُبِّ وهي قعره، وكل ما غَيَّبَ شيئاً فهو غَيَابَةٌ).
ومن هنا كان الغيب في الاستعمال القرآني دالاً على (وجود) غير مشاهَد. ولذا ورد مقابِلاً (لِعَالَمِ الشَّهادَةِ) الذي هو العالَم المنظور. قال عز وجل في وصف ذاته سبحانه:
{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}
(الأنعام: 73)
وبما أنه (وجود) فإنه قابل للعلم، أي أنه قابل لأن يحاط به علماً. ومن هنا كان علمه عند الله. وهو عنده وعلم الشهادة سواء، كما في الآية المذكورة.
وعالَم الغيب في القرآن يمتد عالَم الشهادة، مما لا يعلمه الإنسان، جزئياً أو كلياً؛ إلى ما وراء عالم الشهادة من العوالم الروحانية، كالعالم البرزخي، وهو عالم الأموات، وكعالم الملأ الأعلى، والعالم الأخروي، بما يتضمنه من أمور واقعة في علم الله وإن لم تكن قد وقعت بالفعل في الوجود المادي. كالبعث الحشر والحساب ودخول الجنة أو النار.. إلخ مما هو مسطر في أصول الاعتقاد الإسلامي.