الإشراق الثالث: في جمالية العباد
المشهد الأول: في جمالية (الانتساب) التعبدي
العبادة: هي عنوان الجمال في الإسلام، وشعار المحبة. وإذا أحب الله الإنسان خاطبه بلفظ: (عبدي) أو (عبادي)!.. فنسبه إليه تعالى نسبة خصوص وإضافة!
وقد سبق أن معنى العبودية دال على خضوع وانقياد، في غير سخط ولا إكراه، ولكنه خضوع المحب الرَّضِيِّ! من هنا لم تكن الأعمال لترتقي إلى مستوى العبادة حقيقة إلا إذا أداها العبد برضاه! ولو كانت هذه الأعمال من أركان الإسلام، من صلاة وصيام وزكاة وحج. وقد ذكر العلماء أن الغني إذا امتنع عن أداء الزكاة، فقَوَّمَ السلطان عليه ماله وانتزع منه مقاديرها وصرفها في وجودها، فإن ذلك يسقط عنه حق الله؛ لأن حق الله في العمل إنما هو الشعور بالتعبد. وهو معنى الرضى والمحبة الي يُخالط قلب العامل عند الدخول في عمله وهذا ما لم يحصل بالنسبة لهذا الممتنع عن أداء الزكاة!
ومن هنا كانت حقيقة العبادة شعوراً وجدانياً قبل أن تكون أعمالاً مادياً! وكانت إحساسا بحب من يوجخ إليه العمل وهو الله تعالى، لا (ضريبة) يؤديها المرء وهو كاره!
إن العبادة (رغبة) قبل أن تكون (رهبة)! {لَا إكْرَاهَ في الدِّينِ}
المشهد الثاني: في جمالية الصلاة أم العبادات..
الدين هو العبادة. والعبادة هي الصلاة! نعم لعبادة الله أشكال شتى من الفرائض، والنوافل، والأعمال، والحركات.. سواء مما شرع للتعبد أصالة كالعبادات المحضة، أو مما شرع للتعبد تبعا، ككل أعمال العادات والمعاملات.. ولكن ذلك كله مجموع في معنى الصلاة. فلا شيء من ذلك يكون عبادة حتى يرتقي إلى معنى الصلاة، ذوقاً ووجداناً! ولذلك كان الصلاة هي أعظم ما في الدين! كما ما في قوله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة)، وكان (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله!). فالصلاة إذن هي الدين من حيث معناه الذي هو الخضوع لله الواحد القهار، رغباً ورهباً.
وللصلاة في الإسلام جمال الدخول في موكب الكون العابد، سيراً إلى الله تسبيحاً وتحجيداً. فذلك إذن مقام الأنس البهي، حيث يستشعر العبد صحبة الكائنات كلها، تنافسه في حبه الجميل، ووجدانه العليل، وتسابقه في مسراه عبر قافلة العابدين الراجين الخائفين.
الصلوات الخمس: أوقات للتحولات الفلكية الكبرى.. نعدها بالصلاة عدا.
وإنما الأوقات الخمسة رموز لليوم كله: فجر، فظهر، فعصر، فمغرب، فعشاء..! فماذا بقي بعد ذلك من الوقت إلا امتدادات لهذه أو تلك؟.. فالوقت كله إذن هو الصلاة!.. أنت تصلي الأوقات الخمسة؛ إذن أنت تصلي العمرَ كله، قلت: كله! وإنما فرض الله الصلاة عمراً، لا حركة ولا سكنة إلا صلاة! ألم يفرضها عز وجل أول ما فرضها خمسين صلاة؟ ثم خففها إلى خمس، كل وقت منها ينوب عن عشرة أوقات! والحسنة في ديننا بعشرة أمثالها.