الدليل السابع والعشرون علي بطلان مقولة (إنَّ الْمَسِيحَ رَبٌّ)
ومِنْ دَلائِلِ بُطْلانِ مَقُولة: (إنَّ الْمَسِيحَ رَبٌّ):
لوْ كَانَ الْمَسِيحُ هُو اللهَ لأَمَرَ النَّاسَ بِعِبَادَتِه بِكُلِّ وضُوحٍ، ولَكنَّ الْوَاقِع أنَّه نَهَى عَنْ عِبَادَتِه بِكُلِّ صَراحةٍ ووضُوحٍ، فَقَدْ قَالَ كَمَا جَاءَ عَنْه في (إِنْجِيل مَتَّى 15- 9) وكَذَلِك في (مُرقُص 7:7):
«وبَاطلًا يَعْبدُونَني، وهُمْ يُعلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِي وصَايَا النَّاس».
يَقْصِدُ بِقَولِه: (وبَاطِلًا يَعْبدُونَني) أنَّ النَّاسَ سَيَعْبُدُونَه، ولكنه بيَّن بوضوح أن عِبَادَتَهُم لهُ بَاطلةٌ، وأَنَّهَا لنْ تَنْفَعَهُم يَوْمَ الْقِيامَةِ، وبناء عَلَيهِ فَسَيأتي من كان يعبد المسيح يَوْمَ الْقِيامَةِ فيَجِدُ أنَّ عِبَادَته له بَاطِلةٌ غَيْر مَقْبُولةٍ عِنْدِ اللهِ، وأنَّه يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَة، الـمُـتَـمـثلة في الخلود في النار أبد الآباد، لأنَّه تَرَكَ عِبَادَة اللهِ الْمُسْتَحِقِّ للْعِبَادَة وعَبَدَ غَيْرَه، بَلْ وسيتفاجأ بأنَّ الْمَسِيحَ يَتَبرَّأُ مِن عِبَادَتِه لهُ كَمَا قَالَ اللهُ في القُرْآن:
﴿ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ﴾(.
تَفْسِير الآيَاتِ الْكَرِيمات
ذَكَرَ اللهُ تَعَالى في هَذِه الآيَاتِ بَعْضًا مِمَّا سَيَكُون يَوْم الْقِيَامَة، ومِنْهَا أَنَّه
سَيَسألُ الْمَسِيحَ عِيسى ابنَ مَرْيمَ (وهُو أَعْلَمُ بِالإِجَابَة): ﴿ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾.
فَعِنْدَها سَيُجِيبُ الْمَسِيحُ مُنَزِّهًا اللهَ تَعَالى عَنْ ذَلِك قائلًا: مَا يَنْبَغِي لي أنْ أَقُولَ للنَّاسِ غَيْرَ الْحَقِّ،
لم يقع مني إطلاقًا أن أمرتُ الناس بعبادتي أو عبادة أمي، إنْ كُنْتُ أمرتُهم بعبادتي وعبادة أُمِّي فَقْد عَلِمتَه يَا الله،
لأنَّه لَا يَخْفَى عَلَيكَ شَيءٌ، تَعْلمُ مَا تُضْمِرُه نَفْسِي، ولا أَعْلَم أنَا مَا في نَفْسِك، إنَّك أَنْتَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيءٍ مِمَّا ظَهَر أوْ خَفِي.
ثمَّ سَيَقُول الْمَسِيحُ ڠ:
يَا رَبِّ، مَا قُلتُ لَهُمْ إلَّا مَا أَوْحَيْتَه إِليَّ وأَمَرْتَنِي بِتَبْلِيغِه للناس، وهو إِفْرَادِك بِالْعِبَادَة، وكُنْتُ أنَا شَاهِدًا عَليهِم وعَلَى أَفْعَالِهم
وأقْوالِهِم لَمَّا كُنْتُ بَيْنَهُم، فَلَمَّا تَوفَّيْتَني إِلَيْكَ؛ أي: قَبَضْتَني واسْتَرْجَعْتَني إِلَيْك بِرَفْعِي إِلى السَّمَاء، كُنْتَ أَنْتَ الْمُطَّلِعَ عَلى سَرَائِرِهِمْ،
وأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٍ، لَا تَخْفَى عَلَيكَ خَافيةٌ فِي الأَرْضِ ولَا في السَّمَاء.إنَّ تُعَذِّبْهُم يَا اللهُ فَإِنَّهُم عِبَادُك، وأَنْتَ أَعْلَمُ بِأَحْوالِهمْ،
تَفْعَل بِهِم مَا تَشَاء، إن شِئت عذبتهم بِعَدْلِك، وإن شئت غفرت لهم بِرَحْمَتِك، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيز الَّذِي لَا يُغلب، الْحَكِيم في تَدْبِيره وَأَمْرِه.
عِنْدَ ذَلِك سَيَقُول اللهُ للْمَسِيح ڠ:
هَذَا يَوْمُ الْجَزَاء الَّذِي ينتفعُ فيه الـمُوحِّدون( ) بتوحيدهم لربهم، وانْقِيادِهُم لِشَرْعِه، وصِدقِهم في نِيَّاتِهِم وأَقْوالِهِمْ وأعْمَالِهم، فيكون جزاؤهم أنَّ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْت قُصُورِها الأَنَّهَار، مَاكِثينَ فِيهَا أَبَدًا ، فَقَبِل الله حَسَناتِهِم، ورَضُوا هم عَنْه بِمَا أَعْطَاهُم مِن جَزِيل ثَوابِه. ذَلِك الْجَزَاء والرِّضَا مِنْه عَلَيْهِم هُو الْفَوزُ الْعَظِيم.
وفي ذلك اليوم سَيَعْلمُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْمَسِيحَ أنَّهُ كَانَ مَخْدُوعًا، خَدَعهُ الشَّيْطَانُ، وخَدَعَه بَشَرٌ مِثْلُه كَانُوا يَمْنَعُونَه مِنْ سَمَاعِ القُرْآنِ أوْ مُجَرَّدِ الاحْتِكَاك بِالْمُسْلِمين لِسَمَاع الْحَقِّ، فَذَهَبَ عَمَلُه هَبَاءً مَنْثُورًا، وسَيَنْدَم حَين لا يَنْفعُ النَّدَمُ.
فَالْحَاصِلُ أنَّ الْمَسِيح لا يَرْضَى بِعِبَادَتِه، بَلْ يَأْمُر النَّاسَ بِعِبَادَة اللهِ وحْدَه، وعَدَم الإِشْرَاك بِه.
وقَوْلُ الْمَسِيح كَمَا في النَّصِّ السَّابِق:
(وهُمْ يُعلِّمونَ تَعَاليمَ هِي مِنْ وصَايَا النَّاسِ) يَقْصِد بِهَذَا مَا سَيَحْصُل في الْمُسْتَقْبل مِنْ عِبَادَة النَّاسِ لهُ بِناءً عَلَى تَعَالِيم مِنْ عِنْد
الْبَشَر (النَّاسِ) ولَيْسَت مِن عِنْدِ اللهِ، وقَدْ حَصَل هَذَا بِالْفِعْل -كَمَا سَنُبَيِّن لاحقًا بِالتَّفْصِيل-، وذَلِك لَمَّا انْعَقَد مُؤتمر نِيقْية عَام 325م،
واتَّفَقُوا عَلى عَقِيدَة تَأْلِيه الْمَسِيح، وبَعْدَه انْعَقَد مُؤتَمَر القُسْطَنْطِينيَّة عَام 381م، واتَّفَقُوا عَلَى عَقِيدَة التَّثْليثِ، فَقَرَّر القَسَاوسَة الَّذِين
هُم مِن جُمْلَة (النَّاسِ) وصَايَا لا تَمُتُّ إلى تَعَالِيم الْمَسِيح بِصِلَةٍ، بَلْ هِي مِنْ عِنْد أَنْفُسِهم، ودَعَمَهُم في فَرْضِها قُسْطَنطين، أَحدُ أَباطرةِ
الرُّومَان( ) في ذَاكَ الزَّمَان، وفَرَضَها عَلى النَّاس بِالْحَدِيد والنَّار، فَتَبِعَهُم النَّاسُ بِدَافعِ الْخَوْفِ أو التَّقْلِيد، بِدُونِ تَمْحِيص أوْ مُنَاقَشَةٍ،
لأن الْمُنَاقَشَة الْعَقْليَّة مَمْنوعةٌ إِلى يَوْمِنا هَذَا، وسَتَظَلُّ مَمْنوعةً، لأَنَّهَا عَقِيدَةٌ خُرافيَّةٌ هَشَّةٌ، لَا تَصْمدُ للْمُنَاقَشَة الْعِلْميَّة والمناظرة،
فلهذا لا يرضى القَسَاوِسَةُ بمناقشتها، لأن مناقشتها يؤدي إلى انكشافِ أنها خرافية أمام الناس، الأمر الذي يؤدي إلى سقوطها،
ومِن المعلوم أن سُقُوط عَقِيدَتِهِم في عُيونِ النَّاسِ سَبَبٌ لِسُقُوطِ هَيْمَنَتِهمْ عَلَى النَّاسِ (الرَّعيَّة)، فلهذا يمنعون المناقشة أصلًا، سواء
فيما بينهم وبين الرعية، أو فيما بينهم وبين المسلمين، لا سيما المناقشة العلنية.
المراجع
- سورة المائدة: 116 – 120
- مُوَحِّدين: جمع مُوَحِّد، وهو الرجل يعتقد أن الله واحدٌ في ذاته، وأنه المستحق للعبادة وحده دون ما سواه، وضده المُشرك، الذي يجعل مع الله شريكا في ذاته أو في عبادته، فيعبد مع الله غيره.
- سيأتي التعريف بالرومان وعقائدهم في الملحق الثاني من ملاحق هذا الكتاب: «نبذة عن عقائد الرومان».