الحديث الرابع (حديث الحال)
الحديث الرابع (حديث الحال)
قال مسلم رحمه الله: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّيْمِيُّ وَقَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ - وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ. قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَمَا ذَاكَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
الحكم على الحديث:
صحيح مسلم (2750).
وعند الترمذي (2514): "لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الحَالِ التَّي تقومون بِهَا مِنُ عِنْدِي".
أهمية الحديث:
1- لتعرف كيف يكون اليقين بالآخرة حالاً للقلب: كأنا رأي عين.
2- أهمية مجالس الوعظ والتذكير ورؤية الصالحين: نكون عندك تذكرنا.
3- سبيل سلامة القلب من التعلق بالدنيا أن يقوم بالقلب شاهد من شواهد الآخرة.
غريب الحديث:
عافسنا: عالجنا معايشنا وحظوظنا.
كأنا رأي عين: كأنا بحال من يراها بعينه (1).
فوائد الحديث
1- حديث حنظلة من الأحاديث المهمة والخطيرة في باب القلوب وفقه التعامل مع أحوال القلوب.
2- تأمل في سؤال أبي بكر رضي الله عنه: كيف أنت يا حنظلة؟ وتأمل الجواب: نافق حنظلة. لنتعلم من الصحابة رضي الله عنهم فقه الأخوة، وتفقد أحوال القلوب، والتعاون على صلاح البال وإصلاح الحال مع الله، والتذكير بذلك ومتابعته.
3- في فقه التعامل مع الأخ والصديق والحبيب إذا اشتكى إليك فإنه لا يحتاج أن تكون بصفة دائمة في مجلس الشيخ والواعظ والعامل والكبير، بل أحياناً يحتاج إلى التعاطف مع قضيته والعطف والحنو عليه ومشاركة حاله؛ انظر إلى قول أبي بكر رضي الله عنه: فوالله، إنا لنلقى مثل هذا.
4- أحياناً أيضاً - وإن كنت تعلم علاج حاله - إلا أن حمله إلى من تظن أنه أرجى قبولاً عنده اولى: فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5- أذهلني جواب حنظلة في تفسيره لنفاقه: (نكون - فإذا خرجنا) فسمى معانقة الزوجات وملاعبة الأولاد ومعالجة الضيعات نفاقاً.
إنها قضية الشعور بوحشة القلب لفقدان الحال، فسمي هذا التلون نفاقاً.
6- قول حنظلة: (نكون عندك - تذكرنا - كأنا رأي عين) وصف لاستدعاء الحال كيف يكون؟ أن تكون؟ أن تكون في مهابط الرحمة ومنازل السكينة - وتسمع الذكر ويحضر القلب - فيتم اليقين وتنفتح البصيرة - هذا هو الحال الصحيح؛ هكذا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم حالاً: "لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الحَالِ التَّي تقومون بِهَا مِنُ عِنْدِي".
7- الأحوال لا تدوم، فهي مواهب وقتية لا تأتي إلا فجأة لكي لا يدعي العباد وجود الاستعداد.
8- إذا تمكن الإنسان من ورود الحال عليه دوماً؛ نعني كأنه يعاين الوعد والوعيد، فإن مآل ذلك إلى حال ملائكية تصافحه فيها الملائكة، وذلك متعذر على البشر؛ لحاجتهم إلى ما ذكر حنظلة من معافسة الزوجات ومعالجة الضيعات وملاعبة الأولاد.
9- "سَاعَةً وَسَاعَةً" يعني ساعة كأنه رأي عين، وساعة في الشهوات المباحة التي هي طاعات بحسن نية.
10- فرق بين وجود الإنسان في مجلس العلم وصحبة الصالحين وبين صحبته لأهله وعشيرته، الفرق كبير، فوجوده في مجالس العلم ورؤية الصالحين فيها حضور القلب وقرة العين، بخلاف شهوات النفس.
11- فهمنا معنى "الحال" الفهم السني السلفي الصحيح: "كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ". سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم حالاً، فنضبط اللفظ على المعنى المذكور في الحديث دون زيادة ومبالغة وتهويل واستعمال للكلمة في غير محلها، وأيضاً دون إنكار لها ودفعها لأن أهل البدعة غلوا في استعمالها، فالحكمة ضالة المؤمن يلتمسها، وهو أحق بها أينما وجدها.
ربنا إنا نعوذ بك من النفاق وأهله
وارزقنا الصدق واجعلنا من أهله
اللهم ارزقنا إيمانا نجد حلاوته في قلوبنا
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]
المراجع
- شرح النووي على مسلم 17/ 66.