الحديث التاسع عشر( حديث ذريني)


محمدن حسين ال يعقوب

 عن عطاء، قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت لعبيد بن عمير: قد آن أن تزورنا. فقال: أقول يا أمة كما قال الأول: زرغبا تزدد حبا (1). قال: فقالت: دعونا من رطانتكم هذه. قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبكت بكاء شديداً، ثم قالت: كل أمره كان عجباً، أتاني ذات ليلة، وقد دخلت فراشي، فدخل معي حتى لصق جلده بجلدي، قال: "يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي". قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما سرك. قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلى. قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره. قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته. قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "وما لي لا أبكي وقد أنزلت علي الليلة: {إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَآيَٰتٍۢ لِّأُولِى ٱلْأَلْبَٰبِ} [آل عمران: 190]. ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها، ويحك يا بلال، ألا أكون عبداً شكوراً؟".

 
الحكم على الحديث

مشكل الآثار (4618)، صحيح ابن حبان (620). وقال الأرنؤوط: صحيح.

______________________

الغب أن تزور يوما وتدع الزيارة يوماً. جمهرة الأمثال 1/ 505.

 أهمية الحديث

 معرفة حال من حال الرسول صلى الله عليه وسلم ليتحصل حسن متابعته في كل مقام.

 معرفة كيف نواجه الشهوة ونوقفها عند حدها بالحق والميزان.

معرفة فن التوازن والعدل في التعامل مع الحقوق والواجبات.

 

غريب الحديث

دعونا من رطانتكم: كلام لا يفهمه الجمهور، والعرب تخص بها كلام العجم.

فوائد الحديث

1- في قول عائشة رضي الله عنها دعونا من رطانتكم. دعوة صريحة لترك التمثيل بالأمثال في مواجهة المشاعر والمجاملات اللطيفة وترك الرطانة بالأعجمية واللسان الغربي وتمثل الأفكار الغريبة الوافدة، إن أولى الأشياء بالمقاطعة في معاملة الكفار هو مقاطعة أفكارهم التي تخالف الشريعة ومقاطعة مظاهر حياتهم وطريقة تفكيرهم التي تخالف عقائدنا أو أصولنا وتقاليدنا.

 مرة أخرى، هذا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم العجب العجاب.

ونحن في هذه الأربعين الربانية نحاول أن نتتبع ونلتمس ونقتفي آثار الربانية في سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا حال من حاله صلى الله عليه وسلم.

 حتى لصق جلده بجلدي. الحاجة الطبيعية البشرية دون غلو في الشهوات ولا تعظيم لها ولا إفراد في حبها أو في المبالغة في حقها.

 قوله صلى الله عليه وسلم: "ذريني". فيه الحسم مع مادة الشهوة حتى تنقطع بلا رجاء.

فيه رد داعي الشهوة بكلمة فيها ردع لكل الدواعي والدوافع.

فيه زجر للزوجة رغم كل كلمات الود والحنان.

وياللعجب من إخواننا الذين لا يحفظون من سيرة تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته إلا أنه كان يسابقها ويقول: "هذه بتلك" (1). وأنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى موضع فمها في الشرب (2). وأمثال هذا. وينسون أبداً: "ذريني". هذه في حال وأولئكم في حال! فأين حال: "ذريني". في حياتكم أيها المستدلون؟

5- في قوله صلى الله عليه وسلم: "ذريني". هو اختياره صلى الله عليه وسلم حين

قال تعالى له: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلدَّارَ ٱلْآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28- 29].

فهذا اختياره صلى الله عليه وسلم؛ إما الله والدار الآخرة، وإما الطلاق والتسريح.

 في قوله صلى الله عليه وسلم: "ذريني أتعبد الليلة لربي". زجر الشهوة ببيان الغاية المرادة: "أتعبد". وفي هذا فائدة جليلة للسائر أن يقرر على نفسه نيته ويكرر ويعيد ويزيد ويوضح ويجلي مراده ليتقرر في نفسه ويدفع بذلك كل ما يخالف.

 وقد يتفذلك متفذلك ويقول: أليس في إيناس الزوجة وإتيانه شهوته أيضاً عبادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وفي بضع أحدكم صدقة" (3)؟

______________________

أخرجه أحمد (26277). وقال الأرنؤوط: إسناده جيد.

أخرجه مسلم (300).

أخرجه مسلم (1006).

فنقول: ثمت فرق؛ فهذا حق وافق هوى، وطاعة صادفت شهوة، فأين ذلك مما يخالف الهوى ويتجرد محضاً خالصاً لوجه الملك:

{ٱلَّذِى يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِى ٱلسَّٰجِدِينَ} [الشعراء: 218- 219].

يحدثك عن الفرق وقد عده نفاقاً أهل الإيمان والصدق، كما تقدم في حديث الحال قول حنظلة رضي الله عنه: نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات. فتأمل.

 في قولها رضي الله عنها: والله، إني لأحب قربك، وأحب ما سرك. الرد الجميل التلطف في الرد، والإحسان إلى الزوج، القبول والرضا في موافقة الحال، الإكرام وإظهار الود والعطف، ولنعمت الزوجة، ونعمت الكلمة والرد.

 لأحب قربك. لم تقتن هذه الكلمة قلبه فيعود النوم بجوارها، بل مضى في عزمه وانصرف بهمته إلى همه.

:

في قوله صلى الله عليه وسلم: "ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها"

. الوعيد الشديد والتهديد الرهيب فيمن لم يتفكر، والعجب بعد أن يبلغنا الوعيد كيف نقرأ ولا نتفكر، والتفكر في هذه الآية يجلب من المعاني الإيمانية الشيء الكثير الذي يصلح به أمر الدنيا والدين.

اللهم اجعلنا لك عباداً بكائين متفكرين

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الحديث التاسع عشر( حديث ذريني)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day