الحديث العشرون (حديث الضحك والاستبشار)


محمدن حسين ال يعقوب

- قال البيهقي رحمه الله: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ، أنا الحسن بن محمد بن إسحاق، نا يوسف بن يعقوب القاضي، نا محمد بن أبي بكر، نا فضيل بن سليمان، نا موسى بن عقبة، حدثني عبيد الله بن سلمان، عن أبيه، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ثَلاثَة ٌيُحِبُّهُمُ اللهُ عَز وَجل، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ، الَّذِي إِذَا انْكَشَفَتْ فِئَةٌ قَاتَلَ وَرَاءَهَا بِنَفْسِهِ لِلهِ عَزَّ وَجل، فَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ؛ وَإِمَّا أَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ عَز وَجل وَيَكْفِيَهِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلََى عَبْدِي كَيْفَ صَبَّرَ لِي نَفْسَهُ. وِالَّذِي لَهُ امْرْأَةٌ حَسْنَاءُ وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ، فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِيني وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ، وَالَّذِي يَكُونُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ رَكْبٌ، فَسَهَرُوا وَنَصَبُوا ثُمَّ هَجَعُوا، فَقَامَ فَي السَّحَرِ فِي سَرَّاءٍ أَوْ ضَرَّاءِ".

 
الحكم على الحديث

الأسماء والصفات (953). وأخرجه الحاكم مختصراً 1/ 77 وقال الألباني رحمه الله: حسن. الصحيحة (3478).

 

أهمية الحديث

 معرفة الله بأسمائه وصفاته معرفة صحيحة لتصحيح علم المعاملة مع الرب سبحانه.

 دفع العابد الرباني للتطلع إلى معان عميقة مثل أن يضحك الله له والاستشراف لها.

 الأخذ بالعزيمة والأنفة من الرخص.

 غريب الحديث

 يضحك إليهم: ضحكه سبحانه من عبده حين يأتي من عبوديته بأعظم ما يحبه، فيضحك سبحانه فرحاً سبحانه فرحاً ورضا، وليس في إثبات هذه الصفات محذور البتة؛ فإنه فرح ليس كمثله شيء، وضحك ليس كمثله شيء، وحكمه حكم رضاه ومحبته وإرادته وسائر صفاته، فالباب باب واحد، لا تمثيل ولا تعطيل (1).

يستبشر بهم: الاستبشار من البشر؛ وهو الفرح والسرور (2).

 هجعوا، الهجوع: النوم ليلا.

فوائد الحديث
 أيها الأحبة:

معرفة الله عز وجل معرفة حقيقية بالعلم الشرعي الصحيح هي الزاد وقرة العين.

معرفة الله سبحانه بما دل به على نفسه سبحانه في كتابه وبما قاله عنه رسول صلى الله عليه وسلم دون تأويل أو تعطيل أو تحريف أو تمثيل أو تكييف أو تشبيه هي المعرفة الحقيقية الصحيحة المنضبطة.

______________________

مدارج السالكين 1/ 232.

مجموع الفتاوى 10/ 648.

 

ومعرفة الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا هي السبب الأقوى الذي يجلب محبة الله، فالعبد كلما عرف الله أكثر أحبه أكثر؛

{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ} [البقرة: 165]

وكلما عرفه أكثر خاف منه أكثر وزادت خشيته في قلبه؛

{ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَٰٓاءُۗ} [فاطر: 28]

- من هنا جاء هذا الحديث وطائفة من الأحاديث في هذه الأربعين الربانية التي بها نعرف بعض صفات الله التي تؤنس القلب وتسعده، انظر إلى قول أبي رزين الصحابي رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله، أو يضحك الرب عز وجل؟ قال: "نعم". قال: لن نعدم من رب يضحك       خيراً (1).

فهذه فائدة إثبات الصفة كما هي؛ تدخل السرور والفرح والاستبشار على القلب، وتزيد الاطمئنان بالرب، وتمنح حسن الظن بالرب، بل وتمنح حالة من القرب والشعور برحمة الرب ووده واستصحاب اسمه سبحانه الطيب الودود المؤمن الب الرحيم.

وهكذا تستدعي معرفة الصفة مجموعة من الأسماء والصفات التي تملأ القلب أنسا بالرب وانشراحاً بالقرب واطمئناناً بالمعية، فتكون هذه المعرفة قرة عين المحب وقوت القلب وقوته، فيصير القلب قوياً بالله مستشعراً معيته دائماً.

 "يحبهم الله عز وجل، ويضحك إليهم، ويستبشر بهم".

يالها من ثلاثة لو فاز بها فائز واستشعرها!

______________________

أخرجه أحمد (16187). وقال الألباني: حسن. الصحيحة (2810).

 فعلام يأسى على ما فاته بعد ذلك ولو الدنيا بأسرها؟

"يحبهم الله عز وجل، ويضحك إليهم، ويستبشر بهم".

هل تتصور أن يحبك الله؟ يا الله!

وفوق ذلك أن يضحك إليك؟ سبحان الملك!

يضحك الله العظيم إليك إليك! أنت العبد الفقير الحقير الضعيف يضحك جل جلاله إليك!

ثم يستبشر بك، من أنت حتى يستبشر بك؟

لا إله إلا الله العظيم الحليم!

لو استشعر قلبك تلك المعاني الثلاثة لطار فرحاً ولسعيت فوراً إلى أسهلها عليك وأقربها إليك ففارقت فراشك وزوجتك وشهوتك إلى سجادتك فوراً فصففت قدمك وألصقت جبهتك بالأرض وناديت وناجيت:

أحبني، استبشر بي، واضحك إلي.

عبيدك بقنائك، فقيرك بفنائك، مسيكينك بفنائك.

هب لي ما وعدت وأنا عبدك الفقير المحتاج إلى ذلك.

 فيه ميزة الأفراد الغرباء: "الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل".

فليس الشأن أن تقاتل في وجود عدد وعدد، فهذا يحسنه الكثيرون، إنما الشأن كل الشأن أن تقاتل وحدك؛ فالقتال في مثل هذه الحالة دليل على الإخلاص؛ فليس ثم أحد يراك.

فلا تستوحش من غربتك، بل اطلب التفرد، واجتهد أن تتميز، ولا تكن إمعة، إن أحسن الناس أحسنت، وإن تركوا تركت، بل كن أنت الأول، أنت الأفضل ودعك من الناس.

 قوله: "والذي له امرأة حسناء وفراش لين حسن، فيقوم من الليل فيذر شهوته، فيذكرني ويناجيني".

فيه إيثار عظيم لرضا الله تعالى على رضا النفس؛ لأن النفس تميل إلى الراحة خاصة في الليل، وفيه تكون العبادة أخلص لله وأبعد عن تهمة الشرك والنفاق؛ لأن الليل ينعدم فيه الرقيب الذي قد يراني الإنسان بعمله من أجله، فإذا جاهد الإنسان وترك المرأة الحسناء والفراش اللين وقام يصلى كان معنى حب الله واضحاً، وابتغاء مرضاته ظاهراً.

فهذا قد آثر ترك الراحات، والقيام في الظلمات، فنال أرفع المقامات، فلا جرم أن يتضاعف أجره أضعافاً كثيرة؛ فالعبادات يتضاعف ثوابها بقدر ما يصاحبها من مشقة؛

قال صلى الله عليه وسلم: "إن لك من الأجر على قدر نصبك ونففتك" (1)

فلا جرم أن يحبه الله ويضحك الله إليه ويستبشر به.

قوله: "ولو شاء رقد".

سبحان الله الكريم!

______________________

أخرجه الحاكم 1/ 644. وقال الألباني: صحيح. صحيح الترغيب والترهيب (1116).

أشهد بأنه سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، وهو الرحيم الغفور، يحفظ لعبده أنها نافلة وأن العبد لو نام، لو رقد فلا إثم عليه ولا حرج، الله يحفظ هذا لك ويذكره، ويقدر هذا منك ويعطيك مقابله.

لو ذاق قلبك هذا المعنى لذاب حباً للمولى الغني جل جلاله من أنه سبحانه يحفظ لك هذه اللفتة التي قد تفوتك.

 إذا ضحك الله لعبد فلن يحاسب؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه" (1).

 ضحكه سبحانه من عبده حين يأتي من عبوديته بأعظم ما يحبه، فيضحك سبحانه فرحاً ورضا (2).

ورد في ثواب بعض الأعمال الأخرى أيضاً أن المولى سبحانه وتعالى يضحك من فاعلها، أو يستبشر أو يفرح بهم، لا يخرجون في معناهم عن معنى هذا الحديث.

 الله عز وجل أحق من قوتل في سبيله، وأعظم من سهر من أجله، ولله در القائل:

سهر العيون لغير وجهك باطل           وبكاؤهن لغير فقدك ضائع

فاللهم القنا تضحك إلينا ونضحك إليك

اللهم آمين

______________________

أخرجه أحمد (22476). وقال الأرنؤوط: حديث قوي.

مدارج السالكين: (1/ 232).

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الحديث العشرون (حديث الضحك والاستبشار)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day