الحديث السادس (حديث الخاصة)


محمد بن حسين آل يعقوب

الحديث السادس  (حديث الخاصة)

- قال الإمام أحمد رحمه الله:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُدَيْلٍ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ فَقِيلَ مَنْ أَهْلُ اللَّهِ مِنْهُمْ قَالَ أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ".

الحكم على الحديث:

المسند (12279). وقال الأرنؤوط رحمه الله: إسناده حسن.

أهمية الحديث

1- لبيان أن القرآن أصل لازم، فالاهتمام به هو الأوجب.

2- معرفة أن لله أهلين من الناس ليتم الاستشراف لهذه المنزلة.

3- أهمية أن أهل القرآن هم أفضل الناس؛ قال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" (1).

غريب الحديث

أهلين: جمع أهل؛ وأهل الرجل أخص الناس به.

فوائد الحديث

1- القرآن كلام الله العظيم، كلام الله الكريم، امتن الله به على عباده؛

قال تعالى:

{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ}

[العنكبوت: 51].

2- الله عز وجل يحب كلامه فهو سبحانه حافظه وحاميه؛

قال تعالى:

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ}

[الحجر: 9].

وقال تعالى:

{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ ٱلْبَٰطِلُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِۦ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍۢ}

[فصلت: 41-42].

3- الله جل جلاله يغار على كلامه، بل يصطفي له خلقاً من خلقه:

{ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِۦ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌۢ بِٱلْخَيْرَٰتِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ}

[فاطر: 32].

وقال تعالى:

{وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا}  

[الإسراء: 45].

4- ولذلك جعل الله للقرآن أهلاً؛ هم أهل القرآن اصطفاهم واختارهم وأكرمهم بالقرآن، فَشرفهم بِحمله، وأعلى قدرهم بحفظه وفهمه والعمل به، فنسبهم سبحانه إليه؛ لأنهم نالوا شرف حمل كلامه، فجعلهم أهله، فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته. يعني أنهم من خواص خلق الله، أو انهم من خاصة الله المقربين المصطفين.

5- أهل الله وخاصته: إن لهم نسبة إلى الله عز وجل بحمل كلامه علماً وتعليماً وحفظاً وفهماً وعملاً.

6- أهل الله: أنهم تنالهم من الله عناية خاصة كعناية الرجل بأهله.

وخاصته: محبة خاصة ومعية خاصة.

7- إذا علم حامل القرآن أنه من أهل الله فلا بد أن يراعي ذلك، ويكون له بذلك خصوصية؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، ونهاره إذا الناس مفطرون، وبورعه إذ الناس يخلطون، وبتواضعه إذ الناس يختالون، ويحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكياً محزونا حليماً حكيماً سكيتاً، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافياً، ولا غافلاً، ولا صخاباً، ولا ضاحكاً، ولا حديداً (2).

8- الاستشراف لهذه المنزلة هي مهمة أصحاب الهمم العالية، التشوق لأن يكون من أهل الله، فتشرف بكونه يحمل هذه الصفة، وإن الشعور بها في القلب يجعل في القلب سعادة غامرة وحضوراً دائماً.

9-

قال تعالى

: {وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٌ}

[فصلت: 41].

فالقرآن عزيز لا ينال بسهولة وظن من حفظوه عن ظهر قلب أنهم نالوه، وانخدعوا بأنفسهم وما نالوا منه سره وعظمته، إنما ذلك

كما جاء في الحديث:

"يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ" (3)

 فللقرآن أهل هم أهله،

وقال صلى الله عليه وسلم:

"الْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ" (4). 

10- لأهل القرآن مع قراءة القرآن أحوال؛ فالختامات المتواليات بأنواعها؛ ختمة المراجعة - ختمة الأجر - ختمة التدبر - ختمة العلم والفهم - وغيرها، ولعل أهمها ختمة تلاوة التعبد لتحصيل الأجر، فافهم تنل.

11- أهل القرآن هم جلساء القرآن، ولهم حال مع تدبره؛

قال الله تعالى

{كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ مُبَٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوٓا ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا ٱلْأَلْبَٰبِ}.

[ص: 29]

وقد قام صلى الله عليه وسلم الليل بآية يرددها؛

{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ}(5)

[المائدة: 118]

فجليس القرآن هو من جالسه القرىن وفاوضه وأبدى له عن أسراره وعجائبه وبواطنه، وإنما يكون هذا لمن انتفى عنه جور قلبه، وذهبت خيانة نفسه، فأمنه القرآن، فارتبع في صدره وتكشف له عن زينته وبهائه، فإذا وجد القلب طاهراً جالسه القرآن، فليس كل من قرأ القرآن أصبح جليس القرآن. 

تأدب بأدب المجالسة تنل فهم المدارسة!

12- أهل القرآن لهم استماع خاص ومعية خاصة، وكفى بهما شرفاً!

قال تعالى:

{وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍۢ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِن قُرْءَانٍۢ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ}

[يونس: 61].

وقال تعالى في الحديث القدسي:

"أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي" (6).

 

فالحق بالركب المسموع المشهود!

اللهم اجعلنا من أهلك وخاصتك ومن المقربين لديك

آمين

 

المراجع

  1. أخرجه البخاري (5027).
  2. أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 112، وابن أبي شيبة (35584)، وأحمد في الزهد (885)، وأبو داود في الزهد (173).
  3. أخرجه مسلم (805).
  4. أخرجه مسلم (223).
  5. أخرجه مسلم (202).
  6. أخرجه البخاري (7405)، ومسلم (2675/ 2).

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الحديث السادس (حديث الخاصة)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day