الحديث الثامن (حديث البركة)
الحديث الثامن (حديث البركة)
- قال الطبراني رحمه الله: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، قال: نا محرز ابن عون، قال: نا حسان بن إبراهيم الكرماني، عن عبدالعزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه، قال:
يا رسول الله، الوضوء من جر جديد مخمر أحب إليك أم من المطاهر؟ فقال: "لا، بل من المطاهر، إن دين الله الحنيفية السمحة". قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إلى المطاهر، فيؤتى بالماء، فيشربه، يرجو بركة أيدي المسلمين.
الحكم على الحديث:
المعجم الكبير 11/ 168 (238)، والأوسط (794). وحسنه الألباني رحمه الله الصحيحة (2118).
أهمية الحديث
1- معرفة مدى عظمة تواضع النبي صلى الله عليه وسلم.
2- الدعوة إلى عدم الأنفة أو التكبر.
3- معرفة نموذج من الحنيفية السمحة لنتمثلها.
غريب الحديث
1- الجر: الإناء المعروف من الفخار.
2- المطاهر: جمع مطهرة؛ كل إناء يتطهر منه، والمراد هنا نحو الحياض والبرك المعدة للوضوء.
3- مخمر: مغطى.
4- الحنيفية: الحنف: الميل. وهنا بمعنى أن يميل القلب وتميل النفس إلى ما يحبه الله ويرضاه.
5- السمحة: سمحة في العمل بعدم تحريم الطيبات الحلال، فيستعان على عبادته سبحانه بما أحله. والسماحة: سعة الصدر والتغاضي.
فوائد الحديث
1- سؤال ابن عمر رضي الله عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كرم من الله عز وجل ان يوفق الصحابة إلى مثل هذه الأسئلة لينفعنا الله بها.
2- الوضوء من جر جديد مخمر: أي من إناء خاص، وماء خاص، ومخمر أي: مغطى محفوظ لم تستعمله، ولم يستعمله غيرك.
3- "بل من المطاهر". أي: من الماء العام الذي يستعمله كل المسلمين، وتتوارد عليه الأيدي.
4- انظر إلى عظيم تواضعه وجليل فضله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا تواضع منقطع النظير، لا ترى، ولا تسمع بمثله قط؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو البركة كلها، وهو الخير كله، وهو سيد الكل، ثم هو صلى الله عليه وسلم يرجو بركة أيدي المسلمين. سبحان الملك!! هنا ينقطع الكلام، ويعجز اللسان، فالصمت والسكوت أولى.
5- الحديث فيه دعوة إلى سماحة النفس، وطيبها، ولينها، فلا تكون متعجرفة، أو فيها كبر ينفر من إتيان بعض الاعمال الحلال التي يوجبها التواضع.
6- فيه تشريف للمتطهرين المتوضئين عجيب، وهم ممن يحبهم الله؛
قال تعالى:
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ}
[البقرة: 222].
7- فيه التماس البركة أينما وجدت، وعدم الأنفة من مواطنها، وخصوصاً التي وردت بالسنة.
8- فيه ألا يتقذر من ماء استعمله المسلمون في طاعة.
9- من التواضع نفي الخصوصية؛ أن يستعمل ما يستعمله المسلمون كافة.
10- نلاحظ دوماً أن البركة فيما كثرت عليه الأيادي من الطعام أو الماء، لذلك ينبغي للرباني ألا يأنف من الزحام وكثرة المسلمين مثلاً في المواسم في العمرة والحج والأعياد، بل يفرح لذلك ويلتمس في تأمين هؤلاء الكثيرين أن يكون بينهم رجل مبارك فتحصل البركة للجميع، وبتأمينه الاستجابة التي تعم الجميع.
11- التماس البركة والبحث عنها وتحري مواطنها دأب الصالحين؛ فإن البركة إذا وضعت في شيء جعلته نافعاً بصورة لم تكن له من قبل.
12- البركة خير الأرزاق، بل هي أنفعه على الإطلاق؛
قال تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُوا وَٱتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍۢ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَٰهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
[الأعراف: 96].
13- البركة من الله يضعها حيث يشاء، فقد تكون في الأشخاص؛
{وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ}
[مريم: 31].
وقد تكون في الأماكن؛
قال تعالى:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍۢ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَٰلَمِينَ}
[آل عمران: 96].
وقد تكون في الطعام وغير ذلك، فتحري مواطنها وتناولها بصفة مستمرة وطلبها من الله يجعل البركة في ذلك الإنسان.
14- الحنيفية السمحة أن يكون الإنسان سهلاً بسيطاً غير معقد ولا متكلف.
أن يتناول ما تيسر، ولا يتكلف ولا يتعنى ولا يفتئت ولا يتطفل؛
قال صلى الله عليه وسلم:
"فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ" (1)
وقال صلى الله عليه وسلم:
"المُؤْمِنونَ هَيِّنونَ لَيَّنونَ"(2).
فالحنيفية أن يكون على الفطرة مائلاً إلى الشرع، والسماحة أن يكون سهلاً بلا غلو ولا تفريط.
15- لا يستغنى عن بركة من بركات الله؛
قال صلى الله عليه وسلم:
" بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ" (3).
16- إذا كانت البركة من الله فعلى المسلم التماس البركة؛ وذلك بتهيئة المحل الصالح لها، فإذا حلت البركة في ذلك المحل فهنيئاً له نزولها وحلولها!
اللهم ارزقنا التواضع بغير كلفة والسماحة بغير تعن
واجعلنا من أوليائك الصالحين
المراجع
- أخرجه أحمد (17142). وقال الأرنؤوط: صحيح.
- أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (139). وقال الألباني: حسن الصحيحة (936).
- أخرجه البخاري (279).