الحديث الحادي عشر (حديث الآداب ومعاملة الخلق)
الحديث الحادي عشر (حديث الآداب ومعاملة الخلق)
- قال البخاري رحمه الله: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ وقال مسلم رحمه الله: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا داود - يعني ابن قيس - عن أبي سعيد مولى عامر بن كريز. كلاهما (الأعرج - أبو سعيد) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا" وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ، وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ".
الحكم على الحديث:
متفق عليه. البخاري (5143، 5144)، مسلم (2564).
أهمية الحديث
1- إشارة إلى أهمية اتباع الشرع في معاملة الخلق، فلا على العادات، ولا على العرف، ولا على هوى النفس، بل على مراد الله.
2- معرفة دستور أخلاق الإسلام والاعتزاز به.
3- معرفة أن المطلب الشرعي الرئيس هو الإخلاص في هذه الأخلاق وصلاح القلب.
فوائد الحديث
1- الأدب وما أدراك ما الأدب! طلبت العلم فأصبت منه شيئاً، وطلبت الأدب فإذا أهله قد بادوا. فالأدب باب عظيم من أبواب هذا الدين، وحديث الأدب هنا يشار به إلى الأدب في معاملة الخلق، وظلم الخلق لا يسامح الله فيه حتى يسامح المخلوق في حقه، وحديث المفلس (1) خير شاهد؛ رجل أتى بحسنات من جميع الأنواع، فاستولى أصحاب المظالم على أجر كل تلك العبادات، حتى حمل من ذنوبهم، ثم دخل النار رغم فعل كل هذه الأنواع من الطاعات.
والرباني حريص على إرضاء الله عز وجل في المخلوقين؛ فهو يحسن إليهم طاعة لربه، والأصل في ذلك العلم بأنهم مربوبون مقهورون مربوطون بأقدارهم، فيستفيد الرباني من هذا العلم أنه يعاملهم لله لا على مقتضى مكانتهم أو معاملتهم له أو مراده منهم، بل يعاملهم على مقتضى أنه عبد امره الله أن يحسن إلى خلقه؛
قال تعالى:
{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}
[البقرة: 83].
وقال تعالى:
{خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَٰهِلِينَ}
[الأعراف: 199].
وقال تعالى
{وَلَا تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُ ۚ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ}
[فصلت: 34].
وقال تعالى:
{وَإِذَا سَمِعُوا ٱللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَآ أَعْمَٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَٰلُكُمْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِى ٱلْجَٰهِلِينَ}
[القصص: 55].
2- "إياكم والظن" فيه أهمية سلامة الصدر للمسلمين، فلا تترك نفسك نهبا للهواجس والظنون.
3- إذا أغلق الإنسان عن نفسه باب الظنون انغلق عنه جميع أبواب الشر التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث، فلا تساوره على التجسس ولا على ما بعده.
4- الأخوة في الله والحب في الله والإخلاص فيهما من أجمل المعاني التي يسعد بها القلب في هذه الدنيا، وهي أيضاً من الأسس والأصول التي يقوم عليها المجتمع المسلم.
5- "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ". إذا اتخذها الرباني قاعدة في حياته؛ أن كل المسلمين إخوته، وتعامل على مقتضى هذه الأخوة ساد الحب والوئام، وانتفت الأحقاد والخلافات.
6- "لَا يحقرُه". احتقار المسلم حرام، والاحتقار عمل قلبي يظهره أعمال وتصرفات، فلا بد من سلامة القلب من احتقار الناس؛ لكي يطهر القلب من الكبر فيكون التواضع للمسلمين.
والسبيل إليها أن يعلم الرباني أن الأفضلية بالتقوى، والتقوى محلها القلب، والقلب لا يعلم ما فيه إلا الله، فلا يعتقد لنفسه أفضلية على أحد، فلا يحتقر أحداً أبداً؛
قال تعالى:
{فَلَا تُزَكُّوٓا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ}
[النجم: 32].
وقال تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّى مَن يَشَآءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ٱنظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِۦٓ إِثْمًا مُّبِينًا}
[النساء: 49- 50].
7- مراجعة أهمية القلب وتأثيره على الظاهر وعلى الأعمال الظاهرة، والحذر من اطلاع الله على القلوب، فاحذر أيها الرباني أن يرى الله في قلبك ما يمقتك عليه، فانتبه لقلبك، وراع دوماً أن الله ينظر إليه.
8- "كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ". حرمة المسلم عظيمة عند الله وفي الشرع، فلتعظم في قلبك حرمة المسلم، فتعامل معه على ذلك وإن خان وآذى؛
قال صلى الله عليه وسلم:
"أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ" (2).
فتعظم حرمة المسلم تضبط العلاقة بين المسلم وأخيه، فيصير المجتمع آمناً هادئاً مسالما؛
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ" قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ" (3).
9- "وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ". هذه أخلاق رفيعة ومثاليات طيبة لنفي الأثرة والأنانية وتطهير القلب من حب النفس والالتزام بحب الخير للناس والاحترام المتبادل، فينبغي ألا تكون المعاملة على المصلحة وإيثار مصلحتك ولو بأذى الآخرين، فاحترام رغبة أخيك المسلم واحترام وتقدير مشاعره وترك بعض ما تهواه من أجل ألا تتعدى عليه كل تلكم من المعاني التي تؤكد متانة وسلامة بنيان الأمة؛
قال صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ" (4)
وقال صلى الله عليه وسلم:
"الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ" (5).
اللهم ارزقنا الصدق والإخلاص وأعنا على أن نلجم أنفسنا
بلجام التواضع والذلة للمؤمنين خالصة لوجهك يا كريم
المراجع
- أخرجه مسلم (2581).
- أخرجه أحمد (15424). وقال الأرنؤوط: حسن لغيره.
- أخرجه البخاري (6016).
- أخرجه البخاري (2446)، ومسلم (2585).
- أخرجه أبو داود (4918). وقال الألباني: حسن. الصحيحة (926).