الحديث السابع عشر(حديث الشكر)


محمد بن حسين ال يعقوب

- قال البخاري رحمه الله: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، سَمِعَ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: "أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟" فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ".

الحكم على الحديث

متفق عليه. والبخاري (4837)، مسلم (2820).

 أهمية الحديث

 يأتي حديث الشكر بعد حديث الحمد؛ لتلازمهما، اللهم لك الحمد والشكر.

 معرفة عظمة النبي صلى الله عليه وسلم وعلو قدره ومقداره.

 فهم قضية الشكر على وجهها وأنها عبادة.

{ٱعْمَلُوٓا ءَالَ دَاوُۥدَ شُكْرًا ۚ } [سبأ: 13].

فوائد الحديث

عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدها وصف ولا حد، تعجزك أني أتيتها من جميع نواحيها، ومن جوانب عظمته المبهرة صلى الله عليه وسلم زواجه من ثمان نساء يطالعن حاله ويصفن أعماله ويرقبن حركاته، فتجد في كل حركة وسكنة منه صلى الله عليه وسلم عظمة على عظمة.-

قول عائشة رضي الله عنها: كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ. أي: تتشقق. في رواية: حتى تفطرت قدماه دماً 

 بأبي أنت وأمي ونفسي يا رسول الله، تسيل قدماه دماً بعد أن تتفطر وتتشقق، هذا نبي قد عرف الله فاستلان ما استوعره المترفون، وقام لله حق قيام، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

 قولها: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا؟ ليس فقط شفقة الزوجة على زوجها أو محبة المرأة لراحة زوجها، وإنما بالدين والفقه: وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ كأنها تقول: فلم يبق شيء للعمل، فقد حصل لك كل ما يطلبه طالب وما يرجوه راج.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟".

هذا هو الفقه العظيم للنبي العظيم صلى الله عليه وسلم، فقه راق؛ وإن غفر لي أفلا أشكر على هذه النعمة؟ والشكر عمل، فكأن عمله أعظم الأعمال صلى الله عليه وسلم.

______________________

أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (565).

 ويكون العمل في شكر نعمة المغفرة أكبر وأعظم وأشق من العمل في مغفرة الذنوب وطلب الدرجات، ياله من فقه! لم يغتر ولم يتكبر ولم يدع التواضع بل قالها حقيقة: "عَبْدًا شَكُورًا". كثير الشكر على مقتضى كثرة النعم الحاصلة والواصلة، ويظل عبداً متواضعاً لا يبطره رؤية العمل صلى الله عليه وسلم.

 والشكر: الاعتراف بالنعمة والقيام بالخدمة، وقليل ما هم، ولم يوف أحد بعلي هذا المنصب إلا الأنبياء، وأعلاهم فيه نبينا، وإنما ألزموا أنفسهم الجهد في العبادة لكمال علمهم بعظيم نعمة ربهم من غير سابقة استحقاق.

 وقد سمى سبحانه نفسه شاكراً وشكوراً، وسمى الشاكرين بهذين الاسمين؛ فأعطاهم من وصفه، وسماهم باسمه، وحسبك بهذا للشاكرين محبة وفضلاً.

 تأمل أخي هذه المشقة البالغة التي يعانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حين كبر سنه وثقل لحمه لم يترك القيام، لم يترك الشكر، لم يكف عن إتعاب بدنه وإرهاق جسده.

والأعجب والأخطر: قام فقرأ ثم ركع. جعل شيئاً من قراءته في قيام ثم ركع من قيام، واها لك سيدي يا رسول الله! هذا في صلاة السنة، فأين اليوم أصحاب الكراسي في المساجد الذين يصلون الفريضة على الكراسي فيفقدون روح الصلاة؛ لا ركوع ولا سجود، حسبنا الله.

 للربانيين: كثيراً ما نؤكد وجوب وجود هذا الجانب في حياتنا الإيمانية، وهو جانب التفاني في العبادة، كثرة العبادة، بذل الجهد في إصلاح العبادة، استشعار لذة العبادة، إتعاب البدن بكثرة العبادة، إيجاد طائفة العباد المجتهدين، صناعة الشخصية النساكة المتألهة.

إن إيجاد هذه الطائفة وتكثير الصالحين المقتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم صار مطلباً حثيثاً لإنقاذ الأمة؛

قالت زينب بنت جحش رضي الله عنهما: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال صلى الله عليه وسلم "نَعَمْ إِذّا كَثُرَ الْخَبَثُ" (1).

  فإذا كثر الخبث على الصالحين كان الهلاك، فلا من زيادة أعداد الصالحين للنجاة من الهلاك

 في الحديث فائدة عظيمة؛ وهي أن الصالحين لا يترخصون الترخص المهين، بل دوماً حالهم الأخذ بالعزائم، انظر إليه صلى الله عليه وسلم حين كثر لحمه وثقل وبدن واضطر أن يصلي جالساً كان إذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع، فيركع ركوعاً تاماً من قيام، ولا يؤمئ بالركوع أو السجود، بل يسجد أيضاً من قيام.

أسوق هذا لإخواني الربانيين ولكل طلبة العلم والملتزمين الذين يظنون أن التدين والعلم هو أن يعرفوا الرخص ويأخذوا بها ويستدلون بشطر الحديث:

"إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ". وينسون الشطر الآخر وهو الأصل الذي عليه العمل: "كَمَا يَحِبُّ أَن تُؤتى عَزَائِمُهُ" (2).

اللهم ارزقنا حسن طاعتك

وشكر نعمتك ودوام عافيتك

اللهم آمين

______________________

أخرجه البخاري (3346)، ومسلم (2880).

أخرجه البزار (5998)، وابن حبان (3568). وقال الأرنؤوط: قوي.

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الحديث السابع عشر(حديث الشكر)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day