الحديث الثالث والعشرون حديث الستر


محمد حسين ال يعقوب

- قال ابن حبان رحمه الله: أخبرنا ابن قتيبة، حدثنا يزيد بن موهب، حدثنا المفضل بن فضالة، عن عبدالله بن عياش القتباني، عن ابن عجلان، عن الحارث بن يزيد العكلي، عن عامر الشعبي، أنه سمع النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

"اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الْحَلَالِ، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ، وَمَنْ أَرْتَعَ فِيهِ كَانَ كَالْمُرْتِعِ إِلَى جَنْبِ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى، وَإِنَّ حِمَى اللهِ فِي الْأَرْضِ مَحَارِمُهُ".

 الحكم على الحديث

صحيح ابن حبان (5569). وقال الألباني رحمه الله: إسناد جيد. الصحيحة (896). والحديث في "الصحيحين" (1) بلفظ مقارب

أهمية الحديث

1- اعتماد مبدأ الستر وأهميته في حياة الرباني

2- إبعاد الحرام عن مجال النظر بالنظر إلى الحلال

3- الحذر من الشبهات والمشتبهات والدعوة إلى الحذر والورع

______________________

(1)البخاري (52)، ومسلم (1599)

غريب الحديث

1- سترة: وقاية

2- استبرأ: طلب البراءة

3- أرتع: أكل ما شاء، يقال: رتعت الماشية. أكلت ما شاءت

4- حمى: المحمي؛ وهو الذي لا يقربه أحد احتراماً لمالكه

5- محارمه: معاصيه 

فوائد الحديث

1- قول النبي صلى الله عليه وسلم

"اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الْحَلَال

هذا منهج ومبدأ؛ أن يكون لك ستر دائماً، اللهم استرنا 

2- "سُتْرَةً مِنَ الْحَلَالِ". من الواجب أن تستر نفسك وتستر شهواتك وتستر أهواءك وتستر عيوبك، والستر اللازم عمل صالح دائم ملازم يستر كل ذلك 

3- مطلوب أن يكون لكل آفة أو عيب او حال ستر خاص يستره حتى يتم إصلاحه، فلا بد من عمل خاص لكل عيب يستره بخصوصه، كما أن لبعض الذنوب كفارات خاصة لا يتم تكفير الذنب ومغفرته إلا بها 

4- والستر كذلك وارد على الأعمال الصالحة صيانة لها وحماية لها من أن تكون رياء وسمعة وشهوة وحظ نفس، وحراسة لها أيضاً من أن تفسد وتسلب وتضيع بحقد حاقد أو حسد حاسد. 

5- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ" (1). تأكيد لهذا المبدأ

______________________

(1)أخرجه أحمد (17968). وقال الألباني: حسن. مشكاة المصابيح (447) 

ولهذا الحديث روايات كثيرة فيها فوائد جمة، ولكننا اخترنا هذا السياق لعبارة: "اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الْحَلَالِ". وسميناه حديث الستر لترسيخ هذا المبدأ؛ أن المؤمن يحتاج إلى ستر دائم 

- ستر من الحلال بينه وبين الحرام فلا يرى الحرام ولا يقاربه، فيكون مستوراً عن الحرام يعيش في ستر من الحلال

- أن يصير هذا الحلال الذي هو الستر كنفاً يؤويه ويحميه ويستتر به

- أن يصير الاحتماء بهذا الحلال هداية إلى مزيد من الحلال

- أن يحب العبد الرباني الستر له ولغيره؛ قال صلى الله عليه وسلم

"وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" 

6- من كنت له سترة من الحلال صار بها بريئاً؛ قال صلى الله عليه وسلم

"فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ"

والعبد لا يزال متهماً؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

"مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ"

فطلب البراءة مطلوب شرعاً بالأعمال التي تحصل بها هذه البراءة، وهذا أحد أعمالها؛ أن يكون للعبد ستر من أعمال الحلال مباحة، فيترك هذه المباحات عزيمة فتكون له براءة من الحرام 

وفيه معنى لطيف؛ فترك بعض المباحات مثل الاستبراء من بقايا النجاسات

______________________

(1)أخرجه البخاري (2442)، ومسلم (2580)

(2)أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599).

(3)أخرجه الترمذي (241). وقال الألباني: حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب (409).

 

ففيه معنى الطهارة؛ طهارة العرض وطهارة الدين

{أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ ۚ } [الزمر: 3]

. {إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]

 

7- "من أرتع فيه". دليل على أن المقاربة تغرى بالرتع والمسارعة والتوغل والانخراط، لذا حذرنا الله تعالى من تلك المقاربة؛ قال تعالى

{تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ } [البقرة: 187]

 وقال تعالى

{وَلَا تَقْرَبُوا ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ} [الأنعام: 151]

. وقال تعالى

{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ ٱلْيَتِيمِ} [الأنعام: 152]

وقال تعالى

{وَلَا تَقْرَبُوا ٱلزِّنَىٰٓ ۖ} [الإسراء: 32]

. وقال صلى الله عليه وسلم

"حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ"


فالمسارعة في الشهوات والمقاربة من المكروهات تقود حتما إلى الخوض في الحرام؛ قال تعالى

{وَلِتَصْغَىٰٓ إِلَيْهِ أَفْـِٔدَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 113]

. فهذه مراحله؛ {وَلِتَصْغَىٰٓ}. يعني: تميل إليه، ثم ترضاه، ثم تقترفه. 

8- "حِمَى اللهِ محارمُه". قال تعالى

{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق

: 1]. فيه تهديد خطير ووعيد شديد لمن قارب، فما بالك بمن خاض؟ 

فالله يغار على محارمه، وجعل لها حمى، فاحذر أن تقارب حمى الله؛ فإن عذابه أليم وعقابه شديد، ومن تعدى على حماه وقارب محارمه فإن لله جنود السماوات والأرض يحارب بهم من تخطى حدوده  

اللهم لا ترزقنا إلا من حلال ولا تبارك لنا إلا في الحلال واسترنا بالحلال

اللهم اكفنا شر الحرام وباعد بيننا وبينه كما باعدت بي المشرق والمغرب

______________________

(1)أخرجه مسلم (2822)

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الحديث الثالث والعشرون حديث الستر

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day