الحديث الخامس والعشرون حديث العون


محمد حسين ال يعقوب

- قال الإمام أحمد رحمه الله: 

الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ التجيبي يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ، عَنْ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ". فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أُحِبُّكَ. قَالَ: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"

 

الحكم على الحديث

المسند (22119). وقال الأرنؤوط رحمه الله: إسناده صحيح

 

أهمية الحديث

1- بيان أهمية الجانب العاطفي في الدعوة

2- من ثمرات الحب والعاطفة النصح الصادق

3- التوجيه إلى الاعتراف بالضعف وطلب العون من الله

 

غريب الحديث

1- لَا تَدَعَنَّ: لا تتركن

2- دبر: خلفها أو في آخرها

 

فوائد الحديث

1- إنني حين أتصور هذا الحديث يكاد قلبي يطير

أتصور يد سيدنا معاذ رضي الله عنه بين يدي سيدنا النبي عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، ثم يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنتهى الحنان وإظهار الود: "إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ". يا سبحان الله! كيف احتمل قلب معاذ كل هذا الود والحب والعطف والحنان مع علمه بصدق مشاعر سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم مع عظمة قدرة ومقداره صلى الله عليه وسلم؟! 

2- إن القلب ليكاد يطير؛ كيف نال معاذ رضي الله عنه شرف هذه المنزلة الرفيعة؟ 

3- ثم إن الإنسان ليعجب؛ إن كان هذا حالي من فرط الدهشة لهذا الحب من النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ، فكيف إذا كان هذا الحب من الله؟ يا الله!! إنه شيء لا يطاق تصوره، ولا شك أن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من حب الله جل جلاله، فما أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلا أن ألقى الله حب معاذ في قلب رسوله صلى الله عليه وسلم. 

4- يزداد التأمل: هل نال معاذ هذه المنزلة بكونه إمام العلماء، أعلمهم بالحلال والحرام، ويأتي يوم القيامة متقدماً عليهم؟ قال صلى الله عليه وسلم عنه

"إِنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْعُلَمَاءِ نَبْذَةً" 

 

أم أنه نال هذه المنزلة لكونه سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فنالها بشرف الدعوة إلى الله؟ أم نالها لأعمال بينه وبين الله؟ تتعدد الأسباب، وفي النهاية لا نملك إلا أن نقول: إنها هبة محضة من الله لما يعلم سبحانه جل في علاه. 

5- هذه العواطف المتدفقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه

______________________

(1)أخرجه أحمد (108). وقال الأرنؤوط: حسن لغيره

 

قال جرير رضي الله عنه: ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي (1). وقصته مع أبي بكر

"فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِ"

(2). وكان أسامة بن زيد يلقب بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وغيرها كثير 

هذا هو الجانب العاطفي الخطير في الدعوة إلى الله؛ الدعوة بالحب وانتشار الحب بين المسلمين، بالحب المتدفق الذي يمثل أوثق عرى الإيمان؛ بالحب في الله، إننا كثيراً ما نتحدث عن البراء وقلما نتحدث عن الولاء 

إن في شيوع هذه الأجواء من الحب والولاء والأخوة والمودة والعطف والحنان لكفيل بتقوية هذا الرابط ليكون سداً منيعاً في حماية المؤمنين أمام الذين لا يؤمنون

6- استتباع إعلان الحب بالوصية مطلب مهم واضح؛ في سورة العصر

{وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْا بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِٱلصَّبْرِ}

فلا بد للحب من التواصي والتناصح، فالمؤمن مرآة أخيه؛ إن رأى فيه ما يشينه ولم ينصحه فقد خانه، وإن علم خيراً ولم يوصه به ويعلمه إياه ويأمره به فقد خانه، وهذا عين معنى

{وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ أُولَٰٓئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

[التوبة: 71]. 

7- قوله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَدَعَنَّ". الحث على الاستمرار واللزوم وعدم التفريط ينبئك عن خطورة هذا الطلب وأهميته

______________________

أخرجه البخاري (3035)، ومسلم (2475/ 134).

(2)أخرجه البخاري (3661).

 

8- "دبر كل صلاةً". كأن الصلاة كانت مقدمة وتمهيداً ومدخلاً لهذا الدعاء، فكأنه لما ذاق طعم الصلاة وأحس بحلاوتها ثم شعر بعجزه وتقصيره في أدائها على الوجه الذي يليق بالمعبود جل وعلا وعجز عن شكر على إقامته بين يديه طلب منه سبحانه أن يعينه على كثرة ذكره دوماً بعدم ترك الصلاة، وبشكره على أن أقامه بين يديه، وبحسن عبادته بأن يحسن فعلها والقيام بها كما ينبغي.

 

9- "أعني". اعتراف بالعجز والقصور والضعف وطلب العون والمساعدة والإعانة، والله يحب من عبده إظهار الفقر والفاقة، ويحب من عبده دوام السؤال؛ قال تعالى

{وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].

 

10- سبحانك! ذاكر لمن ذكرك، شاكر لمن شكرك! فذكره سبب لذكره، وشكره سبب لزيادته من فضله. 

11- "عَلَى ذِكْرِك" مقدمة انشراح الصدر، "وشكرك" وسيلة النعم المستجلبة، "وَحُسْنِ عِبَادتِك" المطلوب منه التجرد عما يشغله عن الله ليتفرغ لمناجاة الله. 

12- حديث العون أنفع الدعاء؛ فهو سؤال العونعلى مرضاته، وهو تحقيق قوله تعالى:

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}

13- قال صلى الله عليه وسلم:

"إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ"

(2). فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المهان. 

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

______________________

(1)مدارج السالكين (1/ 100).

(2)أخرجه أحمد (2669). وقال الأرنؤوط: إسناده قوي.

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الحديث الخامس والعشرون حديث العون

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day