الحديث التاسع والعشرون حديث الظل


محمد حسين ال يعقوب

- قال البخاري رحمه الله: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ؛ بُنْدَارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ".

 

الحكم على الحديث

متفق عليه؛ صحيح البخاري (660). صحيح مسلم (1031)

 

أهمية الحديث

1- لأهمية أن يقوم بقلب الرباني شاهد من شواهد الآخرة

2- لكي يحمل الرباني هم حر اليوم الآخر فيطلب ظلا

3- معرفة هؤلاء السبعة ليكون التركيز في أحدها أو فيها كلها ليفوز بالظل يوم القيامة

 

غريب الحديث

1- خالياً؛ أي: خالياً من الالتفات إلى غير الله، ولو كان في ملأ

2- معلق في المساجد؛ كالقنديل، وإن كان جسده خارجاً عنه وعرض لقالبه عارض، إشارة إلى طول الملازمة بقلبه

3- ففاضت: الفيض انصباب عن امتلاء، فدموعه تسيل بلا انقطاع 

فوائد الحديث

1- أهوال القيامة عظيمة يشيب لهولها الولدان، ويجب على الرباني الذي تعلق قلبه بالآخرة أن تكون أهوالها دوماً منه على بال 

ومن هذه الأهوال حر هذا اليوم؛ فالشمس تدنو من الرءوس ويلجم العرق الناس إلجاماً، فما النجاة من حر هذا اليوم؟ البحث عن الظل 

فيأتي هذا الحديث ليدلنا على أن هذا اليوم لا ظل إلا ظل العرش، وليس كل أحد يكون في هذا الظل 

2- إن من حمل هم الآخرة أن تكون على البال دائما؛

{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍۢ} [الانشقاق: 19].

فمن بداية الحشر وكيف يكون، مروراً يتطاير الصحف والميزان والعرض على الله والصراط والقنطرة، كل ذلك يكون محل تفكير الرباني ليبحث عن نجاة من كل موقف 

3- لا شك أن من فاز بالظل فهذه علامة نجاته من بقية تلك الأهوال

4- أولهم الإمام العادل، وهو يستحق؛ فإن العدل حال كونه إماماً يشق على كثير من النفوس؛ فإن الملك والزعامة والإمامة تغري بالتعسف، والأهواء غالبة، وأيضاً البطانة تفسد الرأي وتحول بين الإمام وبين العدل المطلوب غالباً، لذلك كان الإمام العادل في ظل العرش 

5- هؤلاء السبعة اختلاف في الصورة واتفاق في المعنى؛ فهم أنواع مسماة سبعة ويتفقون جميعاً على معنى واحد؛ وهو مجاهدة النفس ومخالفة الهوى 

6- الإمام العادل جاهد وخالف نفسه وهواه وآثر العدل، فأظل الخلق بظل عدله، فكانوا في أمان من الظلم، فأظله الله في ظله جراءاً وفاقاً 

7- "شاب". في فترة الشباب والصبوة وفوران الشهوة، فلما جاهد وخالف نفسه وهواه وأثر عبادة ربه آثره الله بظل يكون في راحة ورطوبة وأمان بعد أن عانى من غلبان الشهوة وجنون الشباب، فكان جزاءاً وفاقاً 

8- "معلق في المساجد". والمساجد بيوت الله في الأرض أذن الله أن ترفع ويرفع أهلها، فلما ترك الدنيا وظلالها وشهواتها واستظل بالمسجد في الدنيا بمناجاة ربه وعبادته والقيام بحقه جازاه الله الظل يوم القيامة ظلاً بظل جزاءاً وفاقاً 

9- "تحابا في الله". الدنيا وشهواتها وهمومها ومصالحها تغلب على البشر في الدنيا، فإذا زهد العبد في علاقات الدنيا ومصالحها وآثر علاقة في الله تجمعه وتفرقه فكان الحب في الله الظل الذي أوى إليه قلبه وأنس به آواه الله إلى ظله يوم لا ظل إلا ظله جزاءاً وفاقاً 

10- "إني أخاف الله". أن تدعو امرأة جميلة رجلاً فيستعف؛ إنه لأمر عظيم، لا شك أن دعوتها أثارت فيه لهيب الشهوة ونيران الرغبة، وإذا كانت ذات منصب أيضاً فقد ثارت فيه أيضاً نار الخوف من منصبها والحذر من أذاها، فلما صبر على هذه النيران في الدنيا جازاه الله في الآخرة ببرد الظل وحماه من النار جزاءاً وفاقاً 

11- "أخفى". النفس تحب المدح وتحب أن تجد ثمرة وجزاء عملها، فهي تلح دوماً في طلب المقابل، فإذا تحمل المعاناة في أن يظل متخفياً مستوراً ليس في جمهرة الممدوحين جازاه الله بالظل والناس في الحر جزاءاً وفافاً 

12- "ذكر الله خالياً ففاضت". هذا الرجل جمع ثلاث خلال عظيمة؛ أولاً: الذكر. وكم من فضل للذكر، ثانياً: "خاليا". وهذا في السر والخلوة، فيا له من مخلص! ثالثاً: فاضت عيناه على هذا الحال العظيم؛ ذاكر مخلص يبكي، ياله من رجل جمع خيراً كثيراً! ودمعة من العين خالصة يحبها الله ويثيب عليها

يالها من دمعة أطفأت لهيب حر ذلك اليوم! فكان في الظل جزاءاً وفاقاً 

13- بعد هؤلاء السبعة كثيرون هم الذين جاء الوعد لهم بالظل يوم القيامة في أحاديث كثيرة وفي تفريعات العلماء رحمهم الله على هؤلاء السبعة، ولكن هؤلاء السبعة يجمعون المتفرقات، فاجتهد أن تكون منهم 

14- الإمام العادل كمل ما يجب من الإمارة، والشاب الناشئ في عبادة الله كمل ما يجب من عبادة الله، والذي قلبه معلق بالمساجد كمل عمارة المساجد بالصلوات الخمس، والعفيف كمل الخوف من الله، والمتصدق كمل الصدقة، والباكي كمل الإخلاص 

15- هذه الأعمال السبعة قد يوفق الإنسان فيحصل على واحدة منها، أو اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة، أو ستة، أو سبعة، هذا ممكن، ولا يناقض بعضه بعضاً، وقد يوفق الإنسان فيأخذ من كل واحدة من السبعة بنصب، وما منهم إلا وله شرب معلوم، وذلك بحسب ما قسم من المجاهدة الرياضة، والمنح الربانية

 

اللهم أظلنا في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الحديث التاسع والعشرون حديث الظل

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day