الحديث الثالث والثلاثون حديث الحياء
- قال ابن ماجه رحمه الله: حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ".
الحكم على الحديث
سنن ابن ماجه (4181). وقال الألباني رحمه الله: حسن. صحيح ابن ماجه (3370)
أهمية الحديث
1- أهمية دستور الأخلاق في الإسلام
2- أهمية الحياء كسمة خاصة للعابد الرباني
3- تحقيق معنى الحياء المطلوب
فوائد الحديث
1- في قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ" (1). فيه إشارة إلى أن الأخلاق كانت ناقصة فيمن كان قبلنا، وإنما كملت في ديننا ببركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن الحياء هو المتمم لهذه الأخلاق، فالغالب على أهل كل دين سجية، والغالب على أهل ديننا الحياء؛ لأنه متمم لمكارم الأخلاق
______________________
أخرجه أحمد (8952). وقال الأرنؤوط: صحيح
2- لما بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم قالت له السيدة خديجة رضي الله عنها: كلا والله ما يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق (1)
وهذه أصول مكارم الأخلاق
ولما خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة لقيه ابن الدغنة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ قال أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. قال ابن الدغنة: فإن مثلك لا يخرج ولا يخرج؛ إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق (2)
نفس الكلمات ونفس الصفات ونفس الأخلاق، وكأنها سمة عامة في الصالحين والدعاة وأهل الإسلام والخير؛ أن يحملوا أصول الأخلاق جملة
3- لا بد من تأصيل أصول الأخلاق لتكون الركيزة الأساسية في حياة العابد الرباني، فما نال العبد درجة عند ربه أعلى من درجة الخلق الحسن، وأيضاً فإن التمكين الأساسي في القلوب سببه الرئيس حسن الخلق؛ فصاحب حسن الخلق محبوب من الله محبوب من الخلق، وأيضاً حسن الخلق له تأثير واضح على قلب الرباني وعلى سمته وحاله وكلامه؛ قال تعالى
{وَهُدُوٓا إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوٓا إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْحَمِيدِ} [الحج: 24]
______________________
أخرجه البخاري (3)، ومسلم (160)
- دلائل النبوة للبيهقي2/4472،473
4- دستور الأخلاق في الإسلام عظيم وواسع وشامل يشمل جميع مناحي الحياة الإيمانية وجميع التعاملات البشرية، ولكن لهذه الأخلاق أصولاً وركائز لا بد من استجماعها أولاً في القلب، ولا شك أن أصل أصولها الحياء؛ فهو عمدة هذه الأخلاق
5- الحياء خلق عظيم جداً؛ لأنه صفة الرحمن، وأكرم بها من صفة كمال وجلال وجمال؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ" (1)
فالله حيي يحب أهل الحياء، فاتصف بالحياء بهذه النية؛ أن تنال محبة الله
6- ومن الجميل أيضاً أنها صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا"
فأكمل بها من صفة لله ولرسوله، وهذا يوجب ألا يخلو منها نصف يريد محبة الله الله ورسوله، ويريد طاعة الله ورسوله، ويريد إقامة مراد الله ورسوله
7- والحياء يكمل به الإيمان فتكمل به سعادة المرء؛ قال صلى الله عليه وسلم: "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ" (3)
8- والحياء كله خير؛ قال صلى الله عليه وسلم: "الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ" (4)
فهو في حد ذاته خير، ويستجلب الخير، ويستكمله
______________________
أخرجه أحمد (17970)، وأبو داود (4012)، والنسائي (406)
.أخرجه البخاري (3562)، ومسلم (2320).
أخرجه البخاري (9)، ومسلم (35)
.أخرجه البخاري (6117)، ومسلم (37).
وقال الأرنؤوط: حسن
9- الحياء يمنع من القبائح والرذائل؛
قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ" (1)
فالحياء يمنع الإنسان من إطلاق حريته في صنع ما شاء، بل يقيده ويحجم هواه فلا يفعل إلا ما يجمل ويحل
10- الحياء مطلوب شرعاً وعرفاً، والحياء من الله مأمور به، وهو تعظيم منوط بود؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ عز وجل حَقَّ الْحَيَاءِ". قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ: "لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيِحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَحَوى، ولْيَحْفَظِ الْبَطْنَ وَمَا وَعَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ عز وجل حَقَّ الْحَيَاءِ" (2). والحياء من الله هو: أن تنفتح في قلبك عين ترى بها أنك قائم بين يدي الله عز وجل
ومطلوب أن تستحي من الناس أيضاً؛
قال صلى الله عليه وسلم: "أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللهَ عَز وَجل كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنْ قَوْمِكَ" (3)
11- الحياء لازم للعابد الرباني؛ أن يتسم بالحياء ويظهر عليه كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولابد من حياء القلب؛ فإن الحياء شعور القلب بما يستحيا منه، فيظهر ذلك على الوجه، فعلى الرباني أن يظهر منه الحياء فلا يخوض مع الخائضين، ولا يرى مع الغافلين، ولا يشمت الشامتين، ويأنف من العيب ويزدريه
اللهم ارزقنا الحياء حق الحياء واجعلنا من أهل مكارم الأخلاق
______________________
أخرجه البخاري3484)أخرجه أحمد (3671)
وقال الألباني: حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب (1724).أخرجه الطبراني (5539).
وقال الألباني: صحيح. صحيح الجامع (4306).