التدبر والعمل


صالح أحمد الشامي

وإذا كانت تلاوة القرآن أمراً مطلوباً في كل يوم - كما رأينا - فيحسن بنا أن نذهب إلى السلف الصالح لنتعلم منهم كيف كانوا يقرؤون القرآن، وما هي نصائحهم في هذا الموضوع.

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إن هذه القلوب أوعية؛ فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره.

وقال عثمان رضي الله عنه: إني أكره أن يأتي علي يوم لا أنظر فيه إلى عهد الله، يعني المصحف.

وقال أبو أمامة رضي الله عنه: اقرؤوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة، فإن الله لا يعذب قلباً هو وعاء للقرآن.

وقال عمر رضي الله عنه: اقرؤوا القرآن تُعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله.

وقال رجل لأبي بن كعب رضي الله عنه: أوصني؟

فقال: اتخذ كتاب الله إماماً، وارض به قاضياً وحكماً، فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم، شفيع مطاع، وشاهد لا يتهم، فيه ذكركم وذكر من قبلكم، وحكم ما بينكم، وخبركم وخبر ما بعدكم.

وإذا كانت هذه الأقوال تحت على الصلة بالقرآن الكريم وتلاوته؛ فإن المقصود من التلاوة العمل، وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان.

جاء في المسند عن عطاء، عن أبي عبدالرحمن قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل.

وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أنزل القرآن ليعمل به، فاتخذتم دراسته عملاً، وسيأتي قوم يثقفونه مثل القناة، ليسوا بخياركم.

وقال الحسن البصري:

قال الله عز وجل: 

{كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ مُبَٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوٓا ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا ٱلْأَلْبَٰبِ} [ص: 29].

وما تدبر آياته إلا اتباعه، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله، فما أسقطتُ حرفاً أحداً، وقد - والله - أسقطه كله، ما يُرى له القرآن في خلق ولا عمل.

وقال الحسن أيضا: حملة القرآن ثلاثة نفر:

1- رجل اتخذه بضاعة، ينقله من مصر إلى مصر، يطلب به ما عند الناس.

2- ورجل حفظ حروفه وضيع حدوده، واستدر به الولاة واستطال به على أهل بلده، وقد كثر هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثرهم الله عز وجل.

3- ورجل قرأ القرآن، فوضع دواءه على داء قلبه، فسهر ليله، وهملت عيناه، تسربل الخشوع، وارتدي الوقار، واستشعر الحزن.. والله لهذا الضرب من حملة القرآن أقل من الكبريت الأحمر، بهم يسقي الله الغيث، وينزل النصر، ويدفع البلاء.

وقال الحارث المحاسبي:

إخواني! إذا تلا الناس كتاب الله لفضل ثوابه، ألا فأريدوا بتلاوتكم التدبر والاعتبار بأمثاله وعجائبه، ووعده ووعيده، وأمره ونهيه، وحرامه وحلاله، والعمل بحدوده وفرائضه، فإن ذلك أبلغ في رضوان الله تعالى.

يا قوم! إنكم ما عملتم بحدود القرآن، وصلتم إلى أجزل الثواب، وأعلى المنازل عند الله، وإن ضيعتم حدوده، وتلوتموه للثواب، خشيت أن يفوتكم الثواب بحدوده، فكم تال له يتبرأ القرآن منه غداً.. أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

وقال ابن القيم رحمه الله:

لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، وهذه كانت عادة السلف، يردد أحدهم الآية إلى الصباح، وقد أنزل الله القرأن ليتدبر ويتفكر فيه، ويعمل به، لا لمجرد تلاوته مع الإعراض   عنه.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ التدبر والعمل

  • ويلٌ لمن شغله المال عن ذكر الله

    فريق عمل الموقع

    ( وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ . يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ )

    12/12/2024 50
  • إنّ القرآن كالتمرة

    موقع الإسلام سؤال وجواب

    ينبغي على المؤمن أن يتعلق بكتاب الله تعالى تلاوة وعملًا ، والتلاوة لها حقيقة ، وهي : الاتباع ، والعمل ، قال "ابن

    04/08/2019 1427
  • تعلم الآيات والعمل بها

    مجدي الهلال

    لكي يقوم القرآن بدوره الأساسي معنا في التذكرة والتوجيه، والاستقامة على الصراط المستقيم، والقرب الدائم من الله عز

    14/06/2023 358
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day